الأردن بعد الزفاف الملكي
سُرَّ الفنان السوري المعارض، سميح شقير، بأنه فوجئ بعزف موسيقى أغنيةٍ له، مع دخول ولي العهد الأردني، الحسين بن عبدالله، وعروسِه، إلى القصر الملكي، في حفل زفافهما. واغتبط عشّاق بليغ حمدي بأن نداء شرارة غنّت، في الحفل، من ألحانه مقاطع من "ألف ليلة وليلة" لأم كلثوم. وابتهج لبنانيون بأن مواطنيْهما، إيلي صعب هو مصمّم فستان العروسة في الحفل، وجورج حبيْقة مصمّم فستان والدتها. وراق لكثيرين تفاعُل نانسي بيلوسي التي لا تعرف العربية مع غناء راغب علامة. وعثر متسائلون على سبب غياب محمود عبّاس عن العرس الذي اهتمّ به الفلسطينيون كثيرا أن زوجته تزحلقت، ما تسبّب بدخولها المستشفى، وكانا يستعدّان للقدوم إلى الفرح. وابتهجت فضائياتٌ محليةٌ أردنية بمشاهدات مليونية (من داخل المملكة وخارجها) لها في أثناء بثّها تفاصيل العرس وليلة الحنّاء والعشاءات والاستقبالات ووصلات الغناء ومسير موكب العروسين في بعض عمّان. وقد تتابعت هذه التفاصيل، وتوازَت فيها تقاليدُ شعبيةٌ مُفرطة في محليّتها (الريفية والبدوية و...) مع بروتوكولاتٍ فخيمةٍ عصرية، وحضر فيها تناغمٌ فائق الإتقان والترتيب المُهاب والباذخ مع مقادير من البساطة الطّلقة والشعبية، فتنوّعت زوايا التغطيات والمتابعات الإخبارية لهذا الحدث الملوكي، والشعبي في بعض أبعادٍ له، فنقلت صحفٌ ومواقع إلكترونية وتلفزاتٌ عربيةٌ وأجنبيةٌ بلا عدد إلى مشاهديها وقرّائها صورا عديدة من المناسبة التي أشاعت "مشاعر عامّة" من الفرح العفوي العريض بين الأردنيين، في لحظة تزخيمٍ خاصّةٍ للعلاقة بينهم وبين العائلة المالكة، سيما مع ملك المستقبل. وفي البال أن العرش في المملكة لم يعُد منذ عقود موضوع خصومةٍ أو معارضةٍ أو أخذٍ وردّ، مهما تطرّف بعض المعارضين وشرّقوا وغرّبوا، بل وأيا كانت مستويات المحاجَجة مع الملك والردود على تعقيباتٍ منه، بصدد قصورٍ وأموال له في الخارج أو نفقات في الداخل.
يحتاج الأردن منذ زمن إلى تصدير صورة له، حقيقيةٍ من قبل ومن بعد، لا تخصم من الأهمية الخاصة لمنجزات أبنائه في عملية بناء دولةٍ شحيحة الموارد، وفي تأسيس عواميد مملكةٍ نهضت وسط عواصف الإقليم المشهودة، ولا تُبالغ في تعظيمٍٍ دعائيٍّ زائف. وإذا كانت الموارد البشرية للمملكة رأسمالها الأول في زمنٍ مضى، فهذا لم يعد ميزة خاصة. ولكن خدوشا غير هيّنة صارت تلحق بالصورة العامة للبلد، بعد أن صارت السويّة في غير أمر تتراجع، التعليم العالي مثلا. وهذه المنازعة السخيفة بين لاعبي ناديي الوحدات والفيصلي في مباراة لهما في رام الله، قبل أيام، تكرّس صورةً غير إيجابية عن الأردن والأردنيين. وفي محلّه السؤال الذي نشط طرحُه بعد كل هذا الإتقان لحفل (أو حفلات) عرس ولي العهد، بشأن أسباب عدم تحقّق هذه المنزلة العالية من الإتقان في أداءٍ كثير من مؤسّسات الدولة في غير شأن، فالدولة التي أنجزت هذا الإيقاع من التنسيق بين عديدٍ من الأجهزة المدنية والعسكرية هي ذاتها التي لا تُنجز مثله في المنتظر منها أن يكون عملها فيه متقنا ومخطّطا له. وهذا سؤالٌ يُضاف إلى سؤال عمّ إذا كان الحكم، وقد وجد مساحاتٍ عريضةً من البهجة العفوية والشعبية العامة في فرح العائلة المالكة بزواج ولي العهد، سيمضي في علاقةٍ مع الجمهور العام بعيدةٍ عن أيٍّ من مظاهر التحسّب والارتياب، سيما وأن النظام يحظى بفائض من الاستقرار والإجماع العام، وأن الشعب يتطلّع إلى خطواتٍ إصلاحية أكثر عمقا، وسياساتٍ أكثر شجاعة وإقداما في مكافحة كل مظاهر العطب التي تسبّب مزاج الإحباط الواسع وخيبات الأمل المتواترة، فلم يكن ثمّة ما يدعو إلى افتعال القصص إياها مع نقابة المعلمين قبل ثلاثة أعوام، ولا إلى اللعب إياه، أخيرا، كي لا يتمكّن حزب الشراكة والإنقاذ، وهو صاحب طموحات سياسية متقدّمة، من تسوية أوضاعه.
رسائل كثيرة بعثها العرس الملكي إلى الداخل والخارج، لكن الأهم انتظار إيقاعٍ آخر للحياة العامة في الأردن، تدشّنها إرادةٌ سياسية مقدامة، تقطع مع كل صيغ التذاكي إياها، ومع بيع الأوهام والإنشائيات اللفظية، وتمضي إلى تعاقدٍ أمضى وأكثر صلاحا وإصلاحا بين الحكم والأردنيين الذين كان انضباطهم العالي في أثناء العرس، مع بهجة قطاعات واسعة منهم به في أريافهم وقراهم ومدنهم، مؤشّرا متجدّدا على أشواقهم إلى شراكات أكثر ثقة وموثوقية في محاربة كل فساد واهتراء، وفي حماية البلد من كل تراجع، وقد كانت مغناة سميح شقير التي واكب لحنُها دخول العروسين القصر المُهاب "لو يوم تنادينا يا وطن".