اقتل .. الصورة تطلع بشعة!

01 يوليو 2021
+ الخط -

لا حول ولا قوة إلّا بالله. جريمتا قتل حدثتا في ساعة واحدة تقريباً على يد الجاني نفسه. الواحدة منهما أبشع من الأخرى في تفاصيلها. الجريمتان حدثتا منتصف الأسبوع الحالي في الكويت على يد شاب ثلاثيني، أقدم، في البداية، على طعن والدته بسكّين حتى الموت، قبل أن يفرّ بُعيد مجيء قوات الشرطة، إلى الشارع، ليجد في طريقه شرطي مرور، فلم يتردّد في محاولة دهسه في البداية، ثم شلّ حركته وتوجيه طعنات متلاحقة مباشرة إلى مختلف أنحاء جسده في سلوك يدلّ على حالة انتقامية عالية من شخصٍ لم يكن يعرفه، وليس بينهما أيّ علاقةٍ أو تماسّ مباشر قبل لحظة ارتكاب الجريمة التي حدثت هذه المرّة في شارع مزدحم بالسيارات في ساعات الصباح الأولى، حيث يتجه كثيرون إلى أعمالهم في هذا الوقت. مع هذا، لم يبادر أحد منهم إلى التدخل بأي شكل. لم يحاولوا مثلاً إرباك القاتل بالتحرّك، ولو عبر السيارات باتجاهه أو على الأقل إحداث جلبةٍ من نوع ما في الشارع، سواء برفع أبواق السيارات، أو حتى الصراخ.

المرعب أنّ جريمة قتل الشرطي الشاب، رحمه الله، حدثت بكاملها تقريباً أمام أعيننا مباشرة، فهناك من عايشها في أثناء وجوده في الشارع فعلاً، ونحن عايشناها عبر المقاطع المصوّرة لها بوضوح، ومن أكثر من زاوية، بهواتف المارّة الذين صوّبوا هواتفهم لتنقل الجريمة بالصوت والصورة، وكأنّها فيلم رعبٍ لم يستطع الرقيب حذف أيّ مشهدٍ من مشاهده العنيفة عن المشاهدين. وهو ما ضاعف من الإحساس بالألم والخوف لدى كثيرين تجاهلوا، بشكل غير مقصود، الجريمة البشعة الأولى، وهي جريمة قتل الأم على يد ابنها، لصالح الاهتمام بالجريمة الثانية فقط، لأنّ الجريمة الأولى ظلت في حيز القول والكتابة، في حين تعزّزت الثانية بالصوت والصورة المتحرّكة.

الجرائم تحدُث دائماً، بل لعلّها أول حدث إنساني كبير على الأرض، عندما أقدم قابيل على قتل شقيقه هابيل، في ما يشبه الإعلان عن إحدى أهم نواقص الكائن البشري في الأرض، وميوله الأنانية في التفرّد بالحياة على حساب الآخر، ولو كان هذا الآخر أخاه، لكنّ الجديد الذي فرض علينا نوعاً من التحديد القاسي أنّ الجريمة أصبحت تحدُث، في أحيانٍ كثيرة، أمام أعيننا، عبر عدسات الكاميرات المنتشرة في كلّ مكان؛ في الشوارع والبيوت والمحلات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وأيضاً في أيدينا جميعاً، إذ صار رد الفعل الأول لنا عندما نشاهد أيّ حركةٍ لافتةٍ تحدث أمامنا، رفع هواتفنا لتسجيلها أولاً وربما أخيراً أيضاً.

بعدما انتهى القاتل من إزهاق روح الشرطي سرق سلاحه، ولاذ بالفرار، فتتبعته كاميرات المارّة أيضاً في تنقلاته، حتى وهو يقطع مساحة ترابية كبيرة بين منطقتين راجلاً، لينتهي الأمر بتلك الكاميرات، وهي تسجّل لنا مشاهد حية من مطاردة الشرطة له، ثم تبادل إطلاق النار بينها وبينه، قبل أن تُرديه مصاباً بعطب في قدميه للسيطرة عليه. وبقيت كاميرات المارّة تلاحق الحدث بتفاصيله المخيفة، لتنقل لنا لحظة القبض عليه ملقى على الأرض، وهو يتحدّث بعبارات غير مفهومة، موجهاً كلامه إلى رجال الأمن، قبل أن نراه منقولاً بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، حيث أعلن لاحقاً عن وفاته متأثراً بإصاباته. وبعدها انتقلت الكاميرات إلى المقبرة لنتابع مراسم تشييع الشرطي الشهيد، رحمه الله، ودفنه، في حين غابت عنها مشاهد دفن السيدة التي سبقته إلى المصير نفسه على يد المجرم ذاته.

انسدل الستار مؤقتاً على تلك الجريمة المزدوجة التي بدأت وانتهت منذ القتل إلى المقبرة بساعات قليلة، لكنّ سر الكراهية البشرية ما زال باقياً كجرح مفتوح .. إلى الأبد.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.