اعتذار إلى الصديق عمران
وصلت الأمور بين إبراهيم وعمران، الصديقين السوريين اللذين يعيشان في ألمانيا، إلى طريق مسدود. أرسل إبراهيم إلى عمران رسالة على "واتساب"، قال له فيها: "لا أنت صديقي ولا أنا بعرفك. احذف رقمي من عندك، إياك أن تتصل بي بعد اليوم".
بعد حوالي ساعة، ردّ عمران على إبراهيم برسالة قصيرة: "الله يسامحك، يا إبراهيم، يا صديق العمر. صدّق أنني، مذ تلقيت رسالتك، مضطربٌ، وحزينٌ، وخائف من أن أكون قد أخطأت بحقك، أو بحق زوجتك، أو أحد أولادك، من دون أن أنتبه. أجريت مع نفسي مراجعة طويلة، فلم أعثر على شيء، بل العكس صحيح، فأنا أوثرك بالمحبة، والاحترام، وإذا وردت سيرتُك في مجلسٍ من الناس، أظلّ أمدحك حتى يضجر مني الحاضرون، ويقول لي أحدهم: صمغت آذاننا بصديقك إبراهيم. وعلى كل حال، إذا كنت مصرّاً على القطيعة، أنا تحت أمرك، ولكن اسمح لي أن أتصل بك مرة واحدة فقط، لأدافع عن نفسي إن كانت لديك تهمة محدّدة توجهها إليّ".
لم يرَ إبراهيم رسالةَ عمران، لأنه حظره على "فيسبوك"، و"واتساب"، و"إنستغرام"، و"تويتر"، ثم عقد اجتماعاً مع أفراد أسرته، أمرهم بقطع كل الصلات مع زوجة عمران وأولاده، تحت طائلة المسؤولية. وهكذا أصبحت الصداقة الطويلة بين الرجلين في خبر كان.
حافظَ عمران على السر، فلم يذكر شيئاً عن هذا الأمر أمام أحد، وكان يقول إذا سأله أحدٌ عن إبراهيم: "والله لم أره من مدة، هو مشغولٌ جداً، وأنا كذلك". في يوم من الأيام، وصل خالد، صديقُهما المشترك، من سورية. اتصل بعمران وذهب لزيارته، وعندما سأله عن إبراهيم، قال إنه بخير، وأعطاه رقمه. اتصل خالد بإبراهيم، وبمجرّد ما أعلمه أنه في ضيافة عمران، أغلق الخط في وجهه. ووقتها، اضطرّ عمران أن يحكي لخالد ما جرى، من دون زيادة أو نقصان. ذهب خالد من توّه إلى عمران، ليعرف منه سبب هذا الموقف.
بدت أسباب القطيعة التي عرضها إبراهيم على خالد مقنعة. قال له إنّ عمران الحالي لم يعد ذلك الرجل الكريم الذي نعرفه. لقد تحوّل هنا، في بلاد الألمان، إلى رجل بخيل. واستدرك قائلاً إنّ البخل، بحد ذاته، لا يزعجه، فهناك ما هو أسوأ. سأله خالد: ماذا أيضاً؟ قال إنّ عمران يقوم بأعمالٍ تدل على الطمع، وفيها، بصراحة، دناءة. صفّر خالد بفمه، من شدّة الدهشة، وقال: "مستحيل. عمران دنيء؟ طيّب، احكِ لي أكثر".
حكى إبراهيم لخالد أنّ عمران يذهب إلى السوبرماركت ليشتري بعض الأطعمة المعلبة، لكنّه لا يشتري، بل يسجّل أسعارها على ورقة، أو يصوّرها بالموبايل، ويذهب إلى عدة سوبرماركتات. وفي المحصلة، لا يشتري حتى يعرف أي سعر هو الأرخص. أما حاجة أسرته من الخضار والفواكه، فيأتي بها من الـ TAFFEL، وهي منظمة خيرية توزّع هذه الأشياء مجّاناً على الفقراء، ومع أن راتب عمران من الـ JOB CENTER يتجاوز ألفاً وخمسمائة يورو في الشهر، إلا أنه يذهب خلسة إلى صاحب متجر سوري، يساعده في أعمال المحاسبة، مقابل أن يعطيه بعض مواد تقارب صلاحيتها على الانتهاء بلا مقابل، وكذلك يتواصل مع بعض السوريين الذين يرغبون في تحويل مساعداتٍ إلى أهاليهم في سورية، ويرافقهم إلى صديق له يعمل في الصرافة، مقابل أن يعفيه من عمولة التحويل عندما يرسل حوالة إلى سورية.
عاد خالد من توّه إلى عمران، وأخبره بما سمع، وكم كانت دهشته عظيمة عندما اعترف له عمران بأنه يقتّر على نفسه، وعلى أسرته، ويقوم بتصرّفات تبدو دنيئة، لأنه يرسل أكثر من 700 يورو في الشهر، مساعداتٍ لناس يعيشون داخل سورية، يعرف بعضَهم، ولا يعرف بعضهم الآخر. ووقتها اتصل خالد بإبراهيم، وطالبه باعتذار كبير لهذا الإنسان الرائع عمران.