احتلال مُريح
وفقًا لما تُسعف الذاكرة به، على أعتاب جولة الانتخابات الإسرائيلية عام 2013، خلص تقرير منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان إلى أن الاحتلال في أراضي 1967 بات مريحًا أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ضوء حقيقتين عدّهما التقرير بمثابة مسوغيّن: أولاً وجود حاضنة قوية له تتمثل في سياسة الحكومة التي كانت تتولى الحُكم، وتضم فئات سياسية تدعو إلى ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل، وتتعهد المشاريع الاستيطانية فيها بالرعاية اللازمة، وهي، بقراءته، على استعداد لأن تتحدّى العالم كله. وثانياً أن أغلبية الناس في إسرائيل وُلدت بعد حرب يونيو/ حزيران 1967 والاحتلال الذي تأتّى عنها، أو قبل ذلك بفترة وجيزة. وبناء عليه، هي لم تعش واقعًا آخر، فكأنّ الأمور بالنسبة إليها كانت على هذه الحال منذ الأزل، وكأنّ الاحتلال هو "النظام الطبيعي"!
ولا بُدّ من إضافة حقيقة ثالثة، يمكن أيضًا استحضارها من الفترة ذاتها، أنه على خلفية التحسن الكبير في الأوضاع الأمنية خلال تلك الأعوام، تركّزت ممارسات إسرائيل، الميدانية على نحو خاص، في تحقيق غاية جعل الاحتلال مريحًا بالنسبة إلى الفلسطينيين في أراضي 1967 أيضًا، حيث لفتت تقارير متطابقة إلى ما سمته "تخفيف وطأة معاناة الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، ولا سيما في كل ما يتعلق بحرية التنقل والحركة". ولدى استعادة ما سجّلته تقارير منظمات حقوق الإنسان بالأساس، يُلاحظ تشديدها على أن الجيش الإسرائيلي ظلّ يتعامل مع حرية الحركة والتنقل لدى الفلسطينيين كامتياز يُعطى ويؤخذ عند الضرورة، وليست حقًا. وآية ذلك، بموجب ما ورد في تلك التقارير، أنه في إطار سياسة "تخفيف وطأة المعاناة"، تم فتح حواجز عسكرية إسرائيلية كثيرة، لكن البُنى التحتية، في الجزء الأعظم من هذه الحواجز، ظلت حاضرة في المكان، بحيث يمكن تشغيلها في غضون فترة قصيرة. وإلى جانب هذه الحواجز التي تكون مأهولة جِزافًا، بقي قرابة 16 حاجزًا مأهولة بشكل دائم، إلى جانب 16 حاجزًا تقيّد حركة الفلسطينيين في مركز مدينة الخليل. كما أن ثمّة مئات المعوّقات المادية الملموسة. ومن مرةٍ إلى أخرى، ينصب الجيش حواجز فجائية في نقاطٍ لا تشمل بنى تحتية ملموسة خاصة بالحواجز.
ومما أعدنا قراءته في تلك التقارير أن نصب مئات من مثل هذه الحواجز بشكل عشوائي في أرجاء الأراضي المحتلة، أدّى، من بين أمور أخرى، إلى نشوء وضع يجهل فيه الشخص الراغب في التنقل بين البلدات في الضفة الغربية الموقع الذي سيصطدم فيه بحاجز ما، والوقت الذي ستستغرقه السفرة. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل استمرت بسدّ المعابر بين مناطق معينة في الضفة الغربية أمام الفلسطينيين عمومًا، باستثناء من يحملون التصاريح الخاصة، مثل القدس الشرقية، والمناطق المحتلة التي ظلت غربي الجدار الفاصل، كما أنها استمرت، وبشكل كبير، في تقييد إمكان الوصول إلى أماكن إضافية، مثل مركز مدينة الخليل.
منذ تلك الأعوام، هل من المبالغة القول إن الاحتلال المريح تحوّل إلى ما يشبه الصيرورة في الواقع السياسي؟ ولكي نقارب المسألة من ناحية ما هو حاصل على الأرض وأيضًا في السياسة، دعونا نأخذ في الاعتبار فقط أن هناك سيرورتين على الأقل مستمرتين: أولاً انعدام معارضة حقيقية لحكم اليمين الإسرائيلي التقليدي الموجود في حالة زواج كاثوليكي مع اليمين المتطرّف والأرثوذكسي، كما أثبتت الجولة الانتخابية الرابعة التي شهدتها إسرائيل خلال أقل من عامين، وجرت أمس الثلاثاء. وثانياً عدم جباية ثمن باهظ سياسيًا وماديًا من جرّاء هذا الاحتلال وممارساته الاستيطانية والإجرامية.
ولئن كانت السيرورة الأولى، في نظرة من الراهن، غير آيلة إلى الاهتزاز في واقع إسرائيل السياسي، فإن السيرورة الثانية هي التي ستبقى مفتوحة على أكثر من احتمال، وهو ما يرتبط حتمًا بالأداء الفلسطيني والعربي والدولي.