إيران و"امتداد الترامبية"
يبدو أن مرحلة جسّ النبض بين إيران والإدارة الأميركية الجديدة قد انتهت سريعاً، والتعويل الذي كان لدى طهران على سلوك مختلف من واشنطن في ظل حكم بايدن لم يتطابق مع واقع توجهات الإدارة الجديدة. فكما يبدو كانت الجمهورية الإسلامية تتوقع انقلاباً كلياً من حكومة بايدن على كل القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وفي مقدمتها طبعا، العودة إلى الاتفاق النووي وفق الشروط السابقة، خصوصاً أن بايدن يمثل امتداداً لإدارة باراك أوباما الذي أُبرم الاتفاق في عهده. غير أنه من الواضح أن حسابات الإدارة الجديدة مختلفة كلياً، فهي حتى وإن كانت لا توافق كلياً على سلوك إدارة ترامب في الملف الإيراني، غير أنها لن تتراجع عن قسم كبير منها، ولا سيما أن ذلك السلوك أدى إلى نتائج ملموسة في ما يتعلق بالضغط على طهران، والحد من قدرتها على التدخل في ملفات إقليمية عدة.
خلال الفترة الفاصلة بين نهاية عهد ترامب وتولي بايدن المسؤولية، عمدت طهران إلى محاولة التهدئة، والانكفاء والانتظار، خصوصاً مع التوتر الذي كان قائماً وسط الكثير من المعطيات التي كانت تشير إلى أن ترامب في طريقه إلى تصعيد عسكري مع إيران في نهاية ولايته، ربما يقود إلى حرب تبقيه في السلطة. وخلال تلك الفترة، تكثفت الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في الداخل السوري، إضافة إلى اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة في قلب طهران، وتصاعد الاختراق الإلكتروني لمواقع إيرانية حساسة. في تلك الفترة، حرصت طهران على التمسك بما سمّته "الصبر الاستراتيجي" بانتظار انقضاء الشهرين وانتهاء ولاية ترامب، مراهنة على صفحة جديدة مع إدارة بايدن. لكن مع الأيام الأولى لهذه الإدارة، وظهور الشروط الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي، بدا أن العلاقة بين طهران والولايات المتحدة بدأت تعود إلى الفترة الأولى من حكم دونالد ترامب.
الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى عكس ما أمل الإيرانيون، لم تعلن نيتها العودة مباشرة إلى الاتفاق النووي، بل باتت هناك شروط جديدة - قديمة تحكم هذه العودة. فوزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، طالب إيران بـ "العودة إلى الالتزام باتفاقها النووي قبل أن تقوم واشنطن، التي انسحبت من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بخطوة مماثلة". وقال إنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق، فستسعى واشنطن لبناء "اتفاق أطول وأقوى" يتناول مسائل أخرى "صعبة للغاية". وفي حين لم يحدد بلينكن هذه المسائل، إلا أن بايدن سبق أن أشار إلى أنها تشمل وقف تطوير إيران للصواريخ البالستية، ووقف دعم المليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط. مثل هذه الشروط كانت حاضرة بقوة في الفترة الأولى من حكم دونالد ترامب، حتى أنها أخذت قسطها من النقاش مع الأوروبيين الشركاء في الاتفاق النووي، وكان هناك إجماع على أهميتها، لكن من دون أن تؤدي بالأخيرين إلى الانسحاب من الاتفاق، قبل أن تدفع العقوبات الأميركية العديد منهم إلى تعليق الالتزام ببنود الاتفاق.
إيران باتت مدركة أنها تعود إلى مرحلة حكم ترامب في العلاقة مع الولايات المتحدة، على عكس ما كانت تبتغي، وهو ما عبّر عنه مستشار الرئيس الإيراني، حسام الدين آشنا، حين وصف تصريحات وزير الخارجية الأميركي بأنها "عودة إلى إرث ترامب". هذه العودة، ولو الجزئية، تمثل كارثة للنظام في إيران، خصوصاً أنها تعني استمرار العقوبات التي فرضها ترامب، والتي أرهقت طهران اقتصادياً، ولا تزال تحمل في طياتها الكثير من التداعيات في المستقبل.
الترقب اليوم للخطوة الإيرانية الجديدة في مواجهة "امتداد الترامبية"، وما إذا كان "الصبر الاستراتيجي" سيبقى يحكم السلوك الإيراني أم أن "التفجير المضبوط" في الهند أمام السفارة الإسرائيلية هو بداية مسار من الرسائل الأمنية.