إعلان الجزائر: لا داعي للتفاؤل

06 نوفمبر 2022

لافتة ترحيبية في العاصمة الجزائرية بضيوف القمّة العربية (31/10/2022/Getty)

+ الخط -

حرصت الجزائر خلال الأشهر الماضية على انعقاد القمّة العربية، بعد انقطاع لثلاثة أعوام، وذللت كل الصعاب والمعوقات التي كانت تقف حائلاً دون انعقاد هذا التجمّع العربي. وبالفعل، نجحت في مسعاها وعُقدت القمة مطلع الشهر الحالي، وصدر عنها "إعلان الجزائر". الإعلان لم يختلف كثيراً عن البيانات التي كانت تصدر عن القمم العربية السابقة، فقد كان حافلاً بالدعوات إلى الحلول والتشديد على الوحدة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك، وهو أمر اعتدنا عليه كثيراً في البيانات أو الإعلانات السابقة التي كانت تصدر عن القمم التي ما إن تنفض حتى تعود الخلافات العربية إلى ذروتها.

الأمر لا يختلف مع الإعلان الأخير في ظل التوجهات العربية المختلفة والمتناقضة، والتي بدأت قبل انعقاد القمة وكادت تهددها. بداية من شغور مقعد سورية في الجامعة العربية، والتي كانت الجزائر ترغب في أن يعود نظام بشار الأسد لاحتلاله، الأمر الذي رفضته العديد من الدول العربية في ظل المذبحة التي لا تزال قائمة على الأرض السورية. تذليل هذه العقبة كان بإبقاء المقعد السوري شاغراً في القمة العربية، وإدراج بند إيجاد حل وسط للأزمة السورية، يرضي النظام والمعارضة معاً. الأمر الذي يدرك الجزائريون وغيرهم من المجتمعين أنه لن يحصل.

ومع نهاية القمة أيضاً، عادت الخلافات إلى الظهور، والجزائر كانت طرفاً فيها. إذ لم تنعكس أجواء ودعوات الوحدة على أداء رئيسة القمة العربية، وهي الطرف في نزاع عربي متجذّر مع المغرب. وللمفارقة فإن هذا النزاع غاب عن "إعلان الجزائر" وكأنه ليس موجوداً. ومع ذلك، صدرت دعوة مغربية من الملك محمد السادس للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة المغرب والحوار حول الخلاف القائم بين البلدين، والمتمحور بشكل أساس حول الصحراء والنزاع القائم هناك. لكن الرد الجزائري جاء بالرفض، معتبرة الدعوة "دعاية مخادعة وتبريراً لتغيّب الملك محمد السادس عن القمة العربية"، بعدما جرى تأكيد مشاركة العاهل المغربي في القمة العربية المنعقدة في الجزائر، من خلال رسالة شفوية بُلّغت لوزارة الخارجية الجزائرية، مشيرة إلى أن الملك محمد السادس تخلف عن حضور القمة في آخر لحظة.

بين بداية القمة ونهايتها كانت هناك أيضاً ملفات خلافية لم تنجح القمّة العربية في الوصول إلى نقاط مشتركة حولها. فالقمة لم تصل إلى نقاط مشتركة لا في الملف الليبي ولا قضية سد النهضة ولا العلاقة مع إيران، وبقي بيانها عائماً وخاضعاً للتأويلات، في ظل التباينات العربية العربية في كل من هذه الملفات الخاضعة لمصالح متضاربة.

وحتى القضية الفلسطينية التي كانت النقطة الجامعة سابقاً بين الدول العربية، بغض النظر عن حساباتها واستراتيجياتها، باتت محل خلاف اليوم، مع الهرولة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، بغض النظر عما تفعله في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فحلّ هذه القضية لم يعد شرطاً للتطبيع منذ التوقيع على "اتفاقات أبراهام". وعلى هذا الأساس فإن إعلان القمة التمسك بالمبادرة العربية للسلام لا معنى له على الإطلاق، وليس إلا حشواً إنشائياً فاقد المعنى، بعدما فكت العديد من الدول العربية الارتباط بين القضية الفلسطينية والعلاقة مع دولة الاحتلال. وفي ما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية كانت الجزائر حريصة على نيل الدعم العربي للاتفاق الذي أُبرم الشهر الماضي في الجزائر بين حركتي فتح وحماس، وهو ما نالته فعلاً. لكن المشكلة أن أطراف المصالحة أنفسهم غير جدّيين في المضي قدماً في هذا الاتفاق وتطبيقه وإحلال الوحدة الفلسطينية، أيضاً بسبب تناقض الرؤى والاستراتيجيات بين هذين المكونين الفلسطينيين.

في ظل كل هذه التناقضات والتباينات، فإن الإنجاز الوحيد للجزائر هو عقد القمة العربية، وجمع كل هذه الأطراف في صورة واحدة، تبقى للذكرى بانتظار القمة المقبلة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".