أوكرانيا تكشف عمق علاقة إسرائيل بروسيا
مثل بقية حلفاء واشنطن في المنطقة ممن عمدوا خلال السنوات الأخيرة إلى تطوير علاقاتهم بموسكو، نتيجة تزايد حضورها في المنطقة في مقابل خفوت الحضور الأميركي، تجد إسرائيل صعوبةً في تحديد موقف واضح من الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. وفيما تحرص إسرائيل على عدم إغضاب حليفتها واشنطن، والحفاظ على علاقتها "التاريخية" بأوكرانيا، إلا أن الأزمة كشفت، في المقابل، حجم المصالح التي باتت تربط إسرائيل بروسيا، ما يجعل من المتعذّر عليها اتخاذ مواقف معادية لموسكو، مهما اشتدّت الضغوط عليها، ومن المؤشّرات المهمة على ذلك الضجة التي ثارت بشأن الكلمة التي ألقاها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في الكنيست الإسرائيلي أخيرا، ورفضت فيها إسرائيل مقارنته ما تفعله روسيا بأوكرانيا بما فعله النازيون باليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
في سياق محاولته دفع إسرائيل إلى اتخاذ مواقف مؤيدة لبلاده، من غير الواضح ما إذا كان زيلينسكي يعي عمق العلاقة الروسية - الإسرائيلية. وفيما يذكّر، مثلًا، بالدور الكبير الذي لعبه اليهود الأوكرانيون في إنشاء دولة إسرائيل، وتبوئهم مناصب قيادية فيها، بمن فيهم غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، (1969-1974)، يفوت زيلينسكي، في المقابل، أن إسرائيل باتت اليوم أكبر تجمّع لليهود الروس في العالم، فعددهم نحو مليون نسمة، فيما يبلغ عدد الناطقين بالروسية في إسرائيل نحو مليون ومئتي ألف نسمة، يمثلون أكبر كتلة انتخابية فيها بدليل حصتهم التي تقارب خمس عدد أعضاء الكنيست. فوق ذلك، تتوقع جهات مالية غربية أن تتحول إسرائيل إلى ملجأ للأوليغارشية الروسية التي باتت تطاردها العقوبات الغربية، خصوصا أن بعض رموزها يحملون الجنسية الإسرائيلية، مثل رومان أبراموفيتش، صاحب نادي تشلسي السابق لكرة القدم.
علاقات إسرائيل الوثيقة لا تقتصر على الأوليغارشية الروسية، بل تصل إلى قمة هرم السلطة في موسكو. ومعروفٌ أن الرئيس بوتين ارتبط بعلاقات شخصية قوية برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، وقد حلّ ضيفا عليه في مزرعته في النقب في أثناء زيارته الأولى إسرائيل عام 2005. وملفت أيضا أن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي زارها بوتين بعد عودته إلى منصب الرئيس عام 2012، وكان واضحا حينها أن العلاقة بينهما بدأت تأخذ منحى مختلفا، إذ تلاقى الطرفان في عدائهما ثورات الربيع العربي، ودعمهما نظم الاستبداد في المنطقة العربية، وكان ذلك أوضح ما يكون في مصر حيث تشبث الطرفان ببقاء الرئيس حسني مبارك، وأبديا خشية مشتركة من نتائج التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، ومن صعود تيارات الإسلام السياسي فيها.
تطوّرت العلاقة أكثر بعد التدخل العسكري الروسي في سورية عام 2015. وفيما لم تُبد إسرائيل معارضة للخطوة الروسية، على أمل أن تحدّ من نفوذ إيران في سورية، وفي الآن نفسه، تمنع وصول تيارات إسلامية إلى الحكم فيها، هرع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو لعقد اتفاق مع الرئيس بوتين يسمح له بالاستمرار في استهداف الوجود الإيراني في سورية. وما زال العمل بقواعد ذلك الاتفاق مستمرًا، على الرغم من اتهام موسكو تل أبيب بالتسبب في إسقاط طائرة عسكرية روسية فوق الساحل السوري في سبتمبر/ أيلول 2018 قتل فيها نحو 20 خبيرا عسكريا روسيًا.
مع اندلاع أزمة أوكرانيا، برزت مصلحة مشتركة جديدة بين الطرفين. وفيما كانت أوروبا تنتظر نتائج الوساطة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، في موسكو في الخامس من مارس/ آذار الجاري، اتضح مع انتهاء الزيارة أن بينت كان مهتمًا أكثر بتعطيل مفاوضات إحياء اتفاق إيران النووي من اهتمامه بإقناع بوتين بوقف الحرب في أوكرانيا، وهو موقفٌ لاقى تجاوبا في موسكو التي باتت مصلحتها تقتضي تأخير عودة إيران إلى سوق الطاقة العالمي، حتى لا يسهل على الغرب الاستغناء عن روسيا طاقويا. وقبل مغادرة بينت موسكو، خرج وزير الخارجية الروسي ليطالب بإعفاء تعاملات موسكو التجارية مع إيران من العقوبات الغربية على روسيا شرطا لموافقتها على إحياء اتفاق إيران النووي. في اليوم نفسه، سرت أنباء عن ضغوط تمارسها إسرائيل على أوكرانيا للقبول بالشروط الروسية لوقف الحرب. لم يكن الأمر يحتاج كثير عناء، لإدراك أن إيران باتت محل اتفاق روسي - إسرائيلي جديد، هذه المرّة في أوكرانيا.