أوراق بوتين في هجومه المضادّ

01 أكتوبر 2022
+ الخط -

كان لا بدّ، بعد سلسلة الهزائم الميدانية شرقاً وجنوباً، أن يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الردّ بصورة هجومية. استعجل استفتاءات ضمّ أقاليم لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية، من دون الاكتراث بمعارضة الغرب أو الأمم المتحدة، ولا حتى تردّد حلفائه، من الصين التي ترفض مبدأ ضم أراضٍ بالقوة، كي لا يرتدّ الأمر عليها في ملف جزيرة تايوان، وكذلك الهند الرافضة تسجيل موقفٍ مؤيدٍ للروس، كي لا تتحرّر كشمير منها. أما التركي فحساباته مختلفة قليلاً، إذ يلاقي وضعاً مشابهاً لوضع روسيا في أوكرانيا، ويتعلق بمنطقة شمال قبرص، الأزمة الموروثة منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنه كطرف أساسي في حلف شمال الأطلسي، وثاني أكبر الجيوش فيه بعد الولايات المتحدة، ويؤدّي دور الوسيط في الملف الأوكراني ـ الروسي، يرفض منح صكّ الحق للروس في ضمّ مزيد من المناطق الأوكرانية.

يدرك بوتين أن عليه لعب أوراق إضافية، لم يكن يعتقد أنه سيستخدمها عشية تفكيره في إعلان اجتياح أوكرانيا. رفع سقف دعوته إلى عالم متعدّد الأقطاب، لكنه، بطبيعة الحال، سيرفض أي نوعٍ من التساوي مع الصين والهند، لاعتباراتٍ متعلقة بـ"العظمة الروسية" من جهة، ولحديثه شبه الدائم عن الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى، والذي كان مع الأميركيين جزءاً من سيادة قطبين على امتداد الكرة الأرضية، بين عامي 1945 و1991.

يعلم بوتين أن الدول التي كانت جزءاً من هذا الاتحاد ترفض مجرّد التفكير في العودة إلى كنفه، مهما كانت المغريات. سارع بعض هذه الدول إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، وبعضها الآخر، خصوصاً الواقعة في الوسط الآسيوي، عمد إلى إصلاح علاقاته مع الغرب، وملاءمة أنشطته المالية مع الشروط المصرفية الغربية. وبلغ الأمر بكازاخستان حتى، تلك التي تدخّل الجيش الروسي لمساعدة نظامها على قمع التظاهرات ضده في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن أوقفت العمل ببطاقات الدفع الإلكتروني الروسية "مير" في مصارفها، امتثالاً للعقوبات الغربية على موسكو.

كازاخستان نفسها أعلنت عن فتح أبوابها أمام الروس الهاربين من "التعبئة الجزئية" التي أعلنها بوتين الأسبوع الماضي. ولعمليات الفرار رواية أخرى، تتّخذ مساراً جدلياً في جورجيا مثلاً، التي استقبلت المواطنين الروس، لكنها تشهد، في المقابل، تظاهرات ضد وجودهم. قد يكون الأمر موروثاً من الاتحاد السوفييتي، أو من الغزو الروسي جورجيا في عام 2008. وفي الحالتين، لم تعد جورجيا بلداً ينوي رفع العلم الروسي فيه، واهتمامها بمتحف الزعيم السوفييتي، الجورجي، جوزيف ستالين في منطقة غوري، ينبع من تسويقه في القطاع السياحي، كمفهوم رأسمالي.

أما الشباب الروس، فعدا عن أن معظمهم ينتمي إلى طبقة متوسّطة، ساهم بوتين بنفسه في تشكيلها، إلا أن لا عقيدة تحفّزهم، على قاعدة أن الحرب خارج بلادهم و"ليسوا مضطرّين" للخوض فيها. آباؤهم في أفغانستان لم يملكوا مثل هذه الخيارات. وغياب العقيدة القتالية سيبقى أزمة مستقبلية، لا في روسيا فحسب، بل في شتى أنحاء العالم. وهو ما تنبّهت إليه جيوش عدة، باشرت بالاعتماد على التقنيات أكثر من العامل البشري.

أما في قضية أنابيب الغاز "نوردستريم 1" و"نوردستريم 2"، فإنّ الانفجارات المتلاحقة التي حصلت فيها أخيراً لا يمكن ربطها بعوامل مناخية. لكن ربطها باعتداءاتٍ غربية مسألة بالغة الحساسية، فالروس يجولون في بحري الشمال والبلطيق، وحتى مداخل اسكتلندا، منذ ما قبل انفجار الوضع الأوكراني في عام 2014، بحراً بصورةٍ شبيهةٍ بالغوّاصات الألمانية في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وجواً بتحليقهم فوق جزيرتي غوتلاند السويدية وبورنهولم الدانماركية. لا يمكنهم تحمّل اختراق عسكري في حيّزهم، لأنه يعني "هزيمة معنوية".

أما في موضوع النووي، فإن بوتين، وهو دارس للتاريخ، يعلم أن السلاح النووي أنهى الحرب العالمية الثانية، واستولد نظاماً عالمياً جديداً، وبالتالي، فإن وأده وبناء عالم مغاير سيكون بالنووي أيضاً.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".