أن يقتنص زهران القاسمي جائزة بوكر
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
فازت سلطنة عُمان بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، أخيرا، عن رواية العُماني زهران القاسمي "تغريبة القافر". ويحصل للمرّة الأولى في تاريخ هذه الجائزة أن يفوز بها أحد الروائيين العمانيين، الذين وصل اثنان منهم سابقاً إلى قوائمها. المرّة الأولى كانت في الدورة الأولى 2007 حين وصلت رواية الراحل عبد العزيز الفارسي "تبكي الأرض يضحك زحل" إلى القائمة الطويلة. ثم في العام 2022، وصلت رواية بشرى خلفان "دلشاد" إلى القائمة القصيرة، وفي الأسبوع الماضي، أحرز زهران القاسمي الجائزة، رغم وجود منافسة وترجيحات اشترك فيها كتّاب من مصر والجزائر والعراق والسعودية وليبيا.
وكان زهران قد قطع شوطا مهما في كتابة الروايات، ويدور معظم نصوصه حول محيط معيشته بجبال وادي الطائيين، حيث ولد وعاش في قرية "مس" ضمن هذه الجبال التي يعرف سكّانها غالبا بنمط الحياة الجبلية، كالرعي وتربية عسل النحل، وسابقا باصطياد الوعل الجبلي. ولكاتب هذه السطور أهل هناك، هاجر كثيرون منهم واختاروا المنبسطات وتخوم العاصمة مسقط، بينما ظل قليلون مستمتعين بنسيم الأعالي، حسب قصة للأميركي الأرميني الكبير وليم سارويان. انحاز زهران القاسمي في رواياته إلى الطبيعة المباشرة حتى لقّب بالقنّاص، وها هو يقتنص جائزة "بوكر" بكل هدوئه ولطفه الشديد، اللذيْن عُرف بهما. له روايته "القنّاص" عن حياة صائد وعول جبلية عُمانية، بيد أنها لم تفز بأي جائزة رغم انتشارها وتكرار طبعاتها، بينما فازت روايات لاحقة له بجوائز، مثل "جوع العسل" التي حازت جائزة الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء. زهران في الأصل شاعر، ولكن كتابة الرواية أغوته للهجرة إليها والسكن في وهادها التخيلية، وإنْ بقي يكتب الشعر وينشره. مجاميعه الشعرية "أغنّي"، "ياناي"، "موسيقى"، "الأعمى"، "مراكب ورقية"، "أوصدت عليك الباب وبقيت سجينا في الخارج" غزير الانتاج، فلا يمر عام من دون أن يُصدر كتابا أو اثنين بين شعر ورواية. انشغل أيضا بالتدوين الشفوي، حيث جمع حزمة من الحكايات الجبلية ووثقها في جزئين أطلق عليهما "سيرة الحجر".
روايات زهران القاسمي ذات طابع أنطولوجي، فهو لا يكتب إلا عما يعرفه ويحيط به، مستثمرا تجربته وخبرته في ذلك. مثلا، يكتب في رواية "جوع العسل" عن حياة مربّي نحل يتنقل بين الأماكن من أجل أن يجد مكانا آمنا لنحلاته التي يعدّها جزءا من عائلته، ويخاف عليها كما يخاف الأب على أسرته، ولكنه يواجه مصاعب كثيرة في سبيل ذلك. كتب زهران روايته هذه بدافع من تجربته الشخصية في تربية النحل، وكأنه جرّب تربية النحل من أجل أن يكتبها، حيث تخلى عن هذه الهواية ما أن وثقها في متنه التخيلي. وسبق لكاتب هذه السطور أن زار زهران في منحله في وادي الطائيين، حيث ارتديت الواقي الشبكي تجنّبا للسعات النحل الذي يتأثر مزاجيا حتى بالرائحة العِطرية. ولذلك يفضل ممن ينوي زيارة المناحل أن يكتفي بعرق جسده حتى لا يثير النحل، ويعرف زهران هذا نتيجة تجربته المهمة في تربية النحل... ربما سيكتب صاحبنا رواية عن آلة العود التي بدأ يُتقنها، وقد يكتبها ثم يعلق بعد ذلك عودَه على الجدار. تستفيد الرواية الفائزة بجائزة بوكر "تغريبة القافر" من مكوّنات الأفلاج العُمانية القديمة وحياتها. والفلج شقّ مائي معقّد يغور جزء منه تحت الأرض، ويصل هناك إلى طبقاتٍ غايةٍ في العمق.
صادق التبريكات لزهران القاسمي على مكانة "تغريبة القافر" المهمّة في منعرجات الرواية العربية بفوزها بالجائزة الأبرز عربيا (بوكر)، التي انتصرت هذه المرّة للأطراف والهامش الجغرافي القصيّ.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية