أن تقاوم أميركا لا يعني أنك على حقّ دائماً

24 مارس 2022
+ الخط -

ُتجامل حركة طالبان قاعدتها القبلية المتشدّدة، وتنكث بوعودها بالسماح للطالبات بإكمال دراستهن، وترجئ عودتهن إلى المدارس إلى أجل غير مسمّى. سيُنتج هذا القرار جيلا كاملا معاديا للإسلام، باعتباره مصدرا للتجهيل ومواليا لأميركا باعتبارها مصدرا للعلم والمعرفة. ستنسى الأجيال كل جرائم أميركا، ويتذكّرون فضيلة تعليم المرأة، تماما كما ستُنسى مقاومة "طالبان" الاحتلال الأميركي، ويتذكرون أنها الحركة التي حرمت المرأة من التعليم.

تزامن قرار "طالبان" مع ذكرى احتلال العراق التي ذكّرتنا بأن من يقاوم أميركا ويقف في وجهها لا يعني أنه على حق دائما، فنظام صدّام حسين، المعادي لأميركا، ارتكب من الأخطاء ما جعل جزءا كبيرا من العراقيين يرحّب بالاحتلال، أو لا يقاومه، أملا في التخلص من النظام الدكتاتوري. وبعد انسحاب أميركا من العراق رسميا في العام 2011، شاهدنا ممارساتٍ دفعت عراقيين إلى المطالبة ببقاء القوات الأميركية لحمايتهم من عراقيين.

احتلت أميركا في حربين ظالمتين العراق وأفغانستان، وخرجت مهزومة منهما، وهي تتحمّل مسؤولية ما حل بالبلدين بفعل احتلالها. وذلك لا يعفي العراقيين والأفغان من المسؤولية قبل الاحتلال وبعده، فلم تكن أميركا لتحاصر العراق وتحتله، لو أن صدّام حسين تحمّل مسؤولية غزو الكويت، وما أعقبها من هزيمة مذلّة وإزهاق أرواح عشرات الألوف من زهرة شباب العراق وحصارٍ مدمّر واستنزاف لمالية الدولة.

زرتُ العراق أول مرة في العام 1995، لتغطية الاستفتاء الذي فاز فيه صدّام حسين بالتسعات الشهيرة. في المؤتمر الصحافي الذي عقده نائبه، رئيس لجنة الاستفتاء عزت الدوري، سأله صحافي أجنبي عما سيفعلون بنحو 800 ناخب صوتوا بلا لصدّام حسين. بدلا من القول إن الاستفتاء عكس ديمقراطية العراق، ومن حقّهم أن يقولوا لا، ردّ "سنعرفهم واحدا واحدا، وسنتعقّب هؤلاء الخونة، فليس في العراق من يقول لا لصدّام حسين". في آخر زيارة قبيل الحرب، غطيت الاستفتاء الأخير، وتحقق وعيد عزت الدوري، وفاز صدّام بـ100%. وبعدها بشهور، كانت الدبّابات الأميركية في شوارع بغداد.

لم تنشر أميركا الحريات في العراق، وبنت نخبة طائفية فاسدة. وفي المقابل، فشلت المقاومة العراقية في بناء برنامج سياسي جامع للعراقيين، وقادر على بناء الدولة عقب التحرير. وبعد انسحاب القوات الأميركية بعد مقاومةٍ ضارية، شاهدنا نتائج الانتخابات "الديمقراطية" في العراق التي جاءت بأفسد حكوماتٍ على مستوى العالم وأكثرها طائفية ودموية، وهو ما أنتج "داعش" والمليشيات الطائفية، وجعل عراقيين كثيرين يترحمون على ديكتاتورية صدّام واحتلال أميركا.

أن تقاوم أميركا لا يعطيك الحقّ بمنع الطالبات من الذهاب إلى المدرسة. وفي المقابل، ليست وظيفة أميركا احتلال بلد حتى تذهب طالباته إلى المدرسة. وفي سياق العداء لأميركا، نشاهد معجبين بحرب بوتين علي أوكرانيا، وترويجا لـ"النموذج الروسي" وكأنه الاتحاد السوفييتي العظيم، مع أنه حكمُ مافيا واضح المعالم، يمكن رؤيته من خلال اليخوت والطائرات الخاصة المصادرة للطبقة الحاكمة.

أن تعادي أميركا أو تقاومها فهذا لا يمنحك الحق في مصادرة حرية الناس. ينطبق هذا على "طالبان" وصدّام حسين والخميني .. وبوتين أيضا.

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة