27 سبتمبر 2018
أميركا تنسحب؟
أعلنت الولايات المتحدة، قبل أسابيع، أنها باقية في سورية أمدا طويلا. هلّل الإعلام، وانتشرت التحليلات بشأن المقصد الأميركي، وتكرّر الكلام عن تقسيم سورية. الآن، يعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب أنه سيسحب قوات بلاده من سورية، فامتلأ الإعلام بالتحليلات وساد التخبط. في الحالين، ظهر أن لا أحد يفهم إستراتيجية أميركا، ولا سبب وجودها في سورية، عدا الخطاب الدعائي المرتكز على محاربة تنظيم (داعش)، وهو خطاب سخيف وغير حقيقي. لهذا تتداخل التحليلات وتسود التكهنات، ويبدأ الردح أو إظهار الانتصار، حسب مصدر التحليل وموقفه من الثورة في سورية.
عادة ما تؤخذ التصريحات من مسؤولين وكأنها قرارات فعلية، وقد أُعلنت للتنفيذ. لهذا يصبح الموضوع هو إصدار موقف منها. وهنا تكثر أحكام القيمة، والتكهنات، وعبره تمرَّر سياسات كذلك. لا أحد يعتقد أن الهدف من تصريحاتٍ كثيرة يكون "تكتيكيا"، أو للتغطية على سياسة، أو للمناورة. ولفهم ذلك، لا بدّ من فهم الإستراتيجية الأساسية، والمصالح، وبالتالي السياسة الفعلية. لا تظهر هذه كلها في التحليلات، ولا يهتم المعلقون بها. لهذا يجري التأرجح في التحليل من نقيض إلى آخر، ومن موقفٍ إلى عكسه، ولا يُقدَّم سوى أحكام قيمة ومواقف عابرة.
مثلاً، هل ستبقى أميركا في سورية طويلاً؟ لا بالتأكيد، بالضبط لأنها "باعت سورية لروسيا" منذ سنة 2012، وهذا ليس موقف أوباما، بل موقف "المؤسسة" والاحتكارات. والآن، هل ستنسحب سريعاً؟ لا بالتأكيد أيضاً، لأن وجود أميركا في سورية كان ورقةً في التفاوض مع روسيا، حيث أنها تريد السيطرة على العراق، ووافقت على أن تكون سورية من حصة روسيا، حتى حينما قرّرت التدخل العسكري لم تمانع أميركا ذلك. لكن الأمر أوسع من ذلك، حيث التفاوض بين البلدين يشمل العالم. ولهذا كان يجب أن يكون لأميركا "مسمار جحا" في سورية، خصوصاً آبار النفط والغاز التي هي لشركاتٍ روسيةٍ، وفق الاتفاقات بين روسيا والنظام. وقد تحققت السيطرة على شرق سورية في ظل إدارة ترامب، وليس في أثناء إدارة سلفه باراك أوباما، بعد أن زاد عديد قواته هناك. لهذا، يمكن فهم التصريح بشأن الوجود طويل الأمد بأنه "تهديد" لروسيا بالسيطرة على جزء من سورية، إذا ما ظلت متعنتةً في المفاوضات بين البلدين.
في المقابل، لعبت روسيا على التناقض بين تركيا وأميركا، فسمحت لها بأن تسيطر على عفرين والشمال الغربي من سورية، ولا تمانع بأن تسيطر على تل رفعت، ومنبج، وحتى الشريط الحدودي السوري التركي. الآن، إذا ما انسحبت أميركا من الشرق والشمال الشرقي من سورية: هل ستظلّ السياسة الروسية هي ذاتها؟ لا بالتأكيد، لأن روسيا سوف تسعى إلى أن يسيطر النظام على هذه المناطق، وأن تعود هي لـ "استعادة" آبار النفط والغاز. هذا يعني صداما بين روسيا وتركيا، وتخريب التكتيك الروسي. هل قصد ترامب ذلك، على الرغم من أنه انفعالي وساذج سياسياً. ربما كان يهدف الى ذلك، حيث سيجري التسابق للسيطرة على تلك المناطق بين روسيا وتركيا، فيقع الصدام بينهما. خصوصاً أن روسيا تتبنى سورية فيدرالية، وتقرّ بفيدرالية في الشمال السوري، هي "كردية" طبعاً، وهذا ما يخيف تركيا.
إذن، كل هذه التصريحات الأميركية بشأن سورية يجب أن توضع في إطار تكتيكي، ضمن علاقة التفاوض/ الصراع مع روسيا بالتحديد. بينما لن تخرج أميركا من سورية قبل تفاهم عام مع روسيا، بما في ذلك الحل النهائي للوضع السوري. حيث ترفض أميركا أن يتحقق الحل، بانتصار روسي يفرض ما يريد.
وفي تصريح ترامب أمر آخر، ربما هو ما قصده بصفته مرابيا كبيرا، يتمثّل في الضغط على السعودية من أجل تمويل الوجود العسكري الأميركي، أي الحصول على مليارات أخرى، بعد كل تلك التي حصل عليها. قال ذلك صراحة في تصريحه بشأن الانسحاب مساء الثلاثاء.
عادة ما تؤخذ التصريحات من مسؤولين وكأنها قرارات فعلية، وقد أُعلنت للتنفيذ. لهذا يصبح الموضوع هو إصدار موقف منها. وهنا تكثر أحكام القيمة، والتكهنات، وعبره تمرَّر سياسات كذلك. لا أحد يعتقد أن الهدف من تصريحاتٍ كثيرة يكون "تكتيكيا"، أو للتغطية على سياسة، أو للمناورة. ولفهم ذلك، لا بدّ من فهم الإستراتيجية الأساسية، والمصالح، وبالتالي السياسة الفعلية. لا تظهر هذه كلها في التحليلات، ولا يهتم المعلقون بها. لهذا يجري التأرجح في التحليل من نقيض إلى آخر، ومن موقفٍ إلى عكسه، ولا يُقدَّم سوى أحكام قيمة ومواقف عابرة.
مثلاً، هل ستبقى أميركا في سورية طويلاً؟ لا بالتأكيد، بالضبط لأنها "باعت سورية لروسيا" منذ سنة 2012، وهذا ليس موقف أوباما، بل موقف "المؤسسة" والاحتكارات. والآن، هل ستنسحب سريعاً؟ لا بالتأكيد أيضاً، لأن وجود أميركا في سورية كان ورقةً في التفاوض مع روسيا، حيث أنها تريد السيطرة على العراق، ووافقت على أن تكون سورية من حصة روسيا، حتى حينما قرّرت التدخل العسكري لم تمانع أميركا ذلك. لكن الأمر أوسع من ذلك، حيث التفاوض بين البلدين يشمل العالم. ولهذا كان يجب أن يكون لأميركا "مسمار جحا" في سورية، خصوصاً آبار النفط والغاز التي هي لشركاتٍ روسيةٍ، وفق الاتفاقات بين روسيا والنظام. وقد تحققت السيطرة على شرق سورية في ظل إدارة ترامب، وليس في أثناء إدارة سلفه باراك أوباما، بعد أن زاد عديد قواته هناك. لهذا، يمكن فهم التصريح بشأن الوجود طويل الأمد بأنه "تهديد" لروسيا بالسيطرة على جزء من سورية، إذا ما ظلت متعنتةً في المفاوضات بين البلدين.
في المقابل، لعبت روسيا على التناقض بين تركيا وأميركا، فسمحت لها بأن تسيطر على عفرين والشمال الغربي من سورية، ولا تمانع بأن تسيطر على تل رفعت، ومنبج، وحتى الشريط الحدودي السوري التركي. الآن، إذا ما انسحبت أميركا من الشرق والشمال الشرقي من سورية: هل ستظلّ السياسة الروسية هي ذاتها؟ لا بالتأكيد، لأن روسيا سوف تسعى إلى أن يسيطر النظام على هذه المناطق، وأن تعود هي لـ "استعادة" آبار النفط والغاز. هذا يعني صداما بين روسيا وتركيا، وتخريب التكتيك الروسي. هل قصد ترامب ذلك، على الرغم من أنه انفعالي وساذج سياسياً. ربما كان يهدف الى ذلك، حيث سيجري التسابق للسيطرة على تلك المناطق بين روسيا وتركيا، فيقع الصدام بينهما. خصوصاً أن روسيا تتبنى سورية فيدرالية، وتقرّ بفيدرالية في الشمال السوري، هي "كردية" طبعاً، وهذا ما يخيف تركيا.
إذن، كل هذه التصريحات الأميركية بشأن سورية يجب أن توضع في إطار تكتيكي، ضمن علاقة التفاوض/ الصراع مع روسيا بالتحديد. بينما لن تخرج أميركا من سورية قبل تفاهم عام مع روسيا، بما في ذلك الحل النهائي للوضع السوري. حيث ترفض أميركا أن يتحقق الحل، بانتصار روسي يفرض ما يريد.
وفي تصريح ترامب أمر آخر، ربما هو ما قصده بصفته مرابيا كبيرا، يتمثّل في الضغط على السعودية من أجل تمويل الوجود العسكري الأميركي، أي الحصول على مليارات أخرى، بعد كل تلك التي حصل عليها. قال ذلك صراحة في تصريحه بشأن الانسحاب مساء الثلاثاء.