ألكسندر دوغين: بوتين أو نحرق العالمين
وُصف ألكسندر دوغين بأنه فيلسوف بوتين المُلهِم، ولا أعرف لطغاتنا المعاصرين ملهمين من المفكرين والفلاسفة، فهم الملهمون، بل إن حافظ الأسد غدر بصلاح البيطار، أما ميشيل عفلق، فنجا بنفسه إلى قارّة بعيدة. ويُستثنى صدّام حسين الذي كان معجبًا بميشيل عفلق، فأوفد صلاح عمر العلي إلى الأرجنتين مرّتين لإقناعه بالسكنى في بغداد، واستطاع استدراجه إلى جنة "البعث" العراقية، وكان صدّام يجلّه كثيرًا، ومردّ ذلك أن نبي "البعث" ميشيل ليس عراقيًا، "فزامر الحي لا تشجي مزاميرُه". ولم يكن لجمال عبد الناصر، صاحب الميثاق، مفكّر معروف يلهمه. أما حافظ الأسد، فكان هو فيلسوف ثورته التصحيحية، وكذلك معمر القذافي صاحب "الكتاب الأخضر"، وهو اسم كتابٍ تشابه مع اسم فيلم شهير عن سيرة العازف دون شارلي، بطله موسيقي أسود كان يعاني من العنصرية. أطلق القذافي النظرية الثالثة، أما دوغين، فيسمّي نظريته الرابعة. وقد أُخذ مذيع "الجزيرة مباشر"، أحمد طه، عندما سمع مفكّر بوتين الملهم يكّرر أقوال "الفيلسوف" السوري شريف شحادة، ويقول: "إذا لم تنتصر روسيا، فسلام على العالم"، وهو صدى لشعار نظام الأسد وتابعيه، "الأسد أو نحرق البلد"، فأكد الفيلسوف قوله ثانية، وأثنى على بوتين ثناءً عهدناه من منافقي السلطان في الإذاعات العربية. ولأنّ بوتين رئيسٌ نووي، فشعاره أكبر، ويمكن تقديره معربًا على الطريقة السوريّة: بوتين أو نحرق العالمين، أو: روسيا أو نحرق الدنيا.
شريف شحادة الذي قال "إن الأسد لن يسقط حتى لو نزلت الملائكة على الأرض"، ظهر في آخر حلقة له في "الاتجاه المعاكس" عجوزًا متعبًا، قد بال الدهر على دمنته، وأرجو أن يصيّره إلى غضبته، شائخًا، ذاهلا، سكرانا من الانتصارات، كأنه عائدٌ من الطاحونة، ودعا إلى المصالحة الوطنية الشاملة، والبحث عن صمغٍ وطني جديد. يقول دوغين: إنّ روسيا انتصرت دومًا، وغفل أنها انتصرت في حربين عالميتين بفضل الحلفاء، وثلج روسيا. ونذكّره بأن الربيع قد ضحك منذ يومين.
لكن قول فيلسوف بوتين متهافت، لأنّ الدول تشيخ وتهرم وتموت مثل البشر، و"إنّ الله ما رفع شيئًا إلا وضعه". في الملاكمة والجري والرياضة، ورأينا مارادونا قد انتفخ مثل الضفدع، ورشدي أباظة نجم زمانه يلي اسم عادل إمام في ملصقات الأفلام، ومحمد علي كلاي يرتجف من مرض الباركنسون، "هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ/ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ"، كما قال أبو البقاء الرندي في نونيته الشهيرة في رثاء الأندلس.
ونرى في نظريته الرابعة مرارة أن تكون القوة الثانية في العالم تابعةً، وفي خطاب بوتين أنّ روسيا كانت دائمًا تابعة، وآن لها أن تقود وتُتَّبع. كانت النخبة الروسية تتكلم الفرنسية، وتتبع التقاليد الفرنسية، وتتفرنج كما نفعل الآن. وقال بوتين: إن روسيا (في عهدي) تنتج الأسلحة فوق الصوتية. .. كلام جميل، وكلام معقول، لكن السلاح ليس كل شيء، وحزام بوتين الأسود قد ينفعه في مقابلات حسناوات شركة الطيران الحكومية، ونذكّر أن القوات الروسية بوسائل اتصال صينية تجارية نسمّيها تلفونات الشحاطة، حتى إن المخابرات الأوكرانية بثّت مكالمات القادة الروس في مكبرات الصوت.
يُبدي دوغين إعجابه بإيران، والسبب هو الولي الفقيه المعصوم المطاع، والرئيس السوري بشار الأسد المفدّى، وديكتاتور الصين الشعبية، وسقط اسم الرئيس الكوري الشمالي سهوًا.
إتقان الفيلسوف تسع لغات، وكتابته ستين كتابًا، قد تجعله مشهورًا، لكن الحكمة أمر آخر، يؤتيها الله من يشاء من عباده. يريد دوغين الذي يتوق إلى العزّة الروسية القومية أن يكون بوتين ملكًا للعالم، ويعتب على بوتين الذي يقدّم رجلًا، ويؤخّر أخرى، في كتابه "بوتين ضد بوتين"، وهو اسمٌ مقتبسٌ من اسم فيلم أميركي شهير هو "كرامر ضد كرامر" حتى تورّط في الحرب الأوكرانية، فتسابقت قدماه في الخطوات، وسيتعلم قريبًا رقصة الشيخاني في أوكرانيا بعون الله.
استشهد دوغين بهاملت شكسبير وتذكّر مقولته: "أكون أو لا أكون"، وكان هاملت قد رأى حلمًا ضغثًا فاستعجل قدره، وغدر بمليكه، وكان ما كان.
ثقافة دوغين كلها غربية، ونحن أمام فيلسوف كوميدي يذكّر بأبي كلبشة، الذي دوّخ موسوليني، صاحب الأنف الذي لا يخطئ، وصاحب الكلمة المأثورة: قال تقاعُد قال.