ألاعيب قيس سعيّد .. بالكربون يا حبيبي بالكربون
ما بين ذلك السرداب العجيب أسفل مبنى السفارة الفرنسية في تونس (ما أخبار السرداب صحيح؟) والاكتشاف المفاجئ لتسمم الرئيس الراحل الباجي السبسي بعد رحيله بثلاث سنوات، ندرك تماماً وببساطة أن الرجل دخل بقوة إلى مسرحيات "كشكش بيه"، بأكبر طاقة جبارة من أساتذة القانون الدستوري التونسي، لمسرحة ما بعد الانقلاب، وفقاً للديكورات المصرية في 30/ 6 المجيدة، إلا أن الرجل تعوزه الفطنة والحبكة الدرامية في سجن المعارضين وإسكاتهم، وهو ما تفوقت فيه 30/ 6 بفارق الدراما والبهارات المسرحية وأحدث تقنيات من الغرب، كذلك الصندوق الزجاجي للرئيس الراحل محمد مرسي، أو المصاحف في أيدي علاء وجمال في القفص، أو نومة مبارك في سريره خلف القضبان. أما أن يأتي قضاة قيس سعيّد مرة واحدة، ويحكموا على الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بأربع سنوات، فذلك خطأ درامي، قطع به المخرج المراحل بعبط وتسرّع، وكان عليه أن يمرّ قبلها على المحاكمات المصرية، ويسأل "عرضحالجية زنانيري ومجمع المحاكم في أبو النمرس والتجمع الخامس"، ويمرّ سريعاً على أرشيف المحاكمات المصرية وبهاراتها، وهي بالطبع موجودة في الأرشيف، إلا أن قيس سعيّد، مع سرعة الإخراج وعبط المونتاج، أرادها سريعة ومدهشة ومثيرة، ففسدت الطبخة وفاحت رائحتها للعلن، فإذا به يلجأ إلى السمّ، ويبتعد بالمشهد إلى رئيس صار تحت التراب، وتلك حيلةٌ أخرى لن تنطلي، وستضطرّه إلى أن يدخل إلى مختبرات ومعامل وطب شرعي، وهذا بالطبع تلزمه عينات وفحوصات وتحاليل للجثة، وأساتذة متخصّصون في السموم، والطبخة ستكون مكلفة جداً.
وكان يمكن قيس سعيّد استبدال "السم" بطنين من الديناميت أو قبو بحزبٍ من أحزاب "النهضة" مثلاً، وبأن الأطنان كانت معدة في رأس السنة لتفجير قصر قرطاج مثلاً، مع إثارة في عرض أطنان الديناميت أمام عيون العالم الحرّ، وخصوصاً فرنسا صاحبة السرداب، إلا أن قيس سعيّد دائماً تعوزه الحيل، وواضح أنه لم يستطع أن "يلمّ" القضاء في "منديله الدستوري" بعد، وهذا لن يتأتّى له إلا بعد تغيير الدستور، وهذا قد أصبح عسيراً، فإذا به يعود إلى "السم"، والحكام من أيام بني أمية "جنود من عسل"، إلا أن قيس سعيّد دائماً تعوزه الحيل، ويدخل على الدراما من نهاياتها. واضحٌ أنه نسي البلاغة ودخل "قص جحش"، وعلى عجلٍ إلى حيل "العرضحالجية"، من غير تمهيد، وهو أستاذ القانون الدستوري.
لم يُعرف بعد أن من أدبيات "أونطة الانقلابات" خفّة الدم وخفة المشرط أيضاً، مثل كيف هرب محمد مرسي من السجن بموبايل خاص، وكيف رآه شاهد عيان من أبو النمرس وهو يأكل "المانغو الزبدية"، بجوار السجن وفي يده الموبايل، وحلف الشاهد "بالطلاق تلاتة" أنه لم يرَ مثل هذا الموبايل من قبل، وأن أمّه حذّرته أنه لو شهد على محمد مرسي بالهروب فسوف يغتاله الإخوان ويحرقون له القمح، فقال لها: "يغور القمح ويغور الشامي بس تفضل مصر"، وبكى أمام القاضي، فذكر وكيل النيابة آية "المفسدون في الأرض"، وكان بجبهة وكيل النيابة صدفة، علامة صلاة في حجم خوخة، وهكذا. إلا أن قيس سعيّد يتسرع دائماً في ديكورات العرض، ولا ينتبه إلى ضرورة الكلب أو النمس في المسرحية، وضرورة وجود "أهل تونس الشرفاء" في المشهد، ومن تتبرّع بخلخال، أو حلق، أو فرن فخّار، ولو من القيروان، أو مصحف قديم من جامع الزيتونة، مع دموع القضاة بجوار الميزان بجوار جثث الأبرياء، مع "أختكم كاميليا" مثلاً، مع قدرٍ هائل من السواطير والسكاكين مع بعض الإخوة السلف، يُقبَض عليهم ليلاً، في محاولةٍ مجنونة للقفز على قصر قرطاج بملابس "فوق بزّة الرجل بشبر". ولا مانع من وجود مصاحف، ولا بد من وجود "مواطنين شرفاء" بكثرة على أبواب المحاكم، وبنات ونساء بنظّارات تداري بعدساتها نصف مساحة الوجه، كما كنا نرى اللافتات معهن ودامعات على حسني مبارك، ومبارك قريب منهنّ يهبط من الطائرة على مهل. ولا مانع من أن يحدث مثل ذلك للمرزوقي، ويمضي سنة أو سنتين بالسجن، كي يكتمل الانقلاب في سهولة ويسر، بشرط توافر منتج سخي وطائرات عمودية وكاميرات ممتازة وزغاريد من أفواه بنات تونس بجلابيب قروية من الجنوب أو بنطلونات أو سراويل من القيروان. أما أن تدخل "قص جحش" كهذا، فواضحٌ جداً أنك لم تعِ الدرس، ولن تجد منتجاً جريئاً يرمي ملياراته هكذا من دون أن يضمن الربح أو توزيع المشهد على الفضائيات العربية.