أغاني مديح الملوك والرؤساء
تنتمي أغنية "رَبْع الكَفَافي الحمر" التي يؤدّيها عبده موسى إلى ما يُصطلح على تسميتها "أغاني التعبئة"، فهي مخصّصة للتغني بأمجاد الأردنيين النشامى، والجيش الأردني. وتمتدح، في الوقت نفسه، ملكَ الأردن الراحل الحسين. ومن الطريف أن عمر عبد اللات أجرى تحويراً بسيطاً على كلماتها، لتناسب الملك عبد الله الثاني؛ فبدلاً من مخاطبة الحسين، صارت تخاطب "أبو الحسين". (وإذا لم تخني ذاكرتي، غنّت سميرة توفيق نسخة عبده موسى في إحدى حفلاتها، وتبدأ بجملة "يا مرحبا ويا هلا منين الركب من وين").
إذا تتبعتَ "أغاني التعبئة"، تجد أنها ذات أنواع ومستويات متباينة، بلغت ذروة تألقها في الخمسينيات والستينيات، بالتزامن مع الحروب والانتكاسات العربية، وأفضل مَن أبدع فيها من الشعراء عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين. وستلاحظ أنّ مستواها يرتفع كثيراً حينما تقتصر على التغنّي بالوطن، كأغنية الشيخ إمام "مصر يما يا بهية، يامُّ طرحة وجلابية" التي أنتجت سنة 1982، وأغنية عبد الحليم "أحلف بسماها"، وهي رائعة مع أنها ترسو على فكرة طوباوية، هي أن "الشمس العربية" لا تغيب، لكن هذا الأمر منسجم مع تشبّع الراحل عبد الرحمن الأبنودي بالفكر القومي. وتنخفض القيمة الفنية لهذه الأغاني عندما تمتدح الزعماء، كالأغنية التي كتبها إسماعيل الحبروك ولحّنها كمال الطويل وغنّاها عبد الحليم في سنة 1958 "يا جمال يا حبيب الملايين". المعنى الأساسي لهذه الأغنية خطير جداً، فهي تنظر إلى الشعوب (الملايين) أنها كائنات متناهية في الصغر، لا رأي لها، ولا قيمة لها، ولا شيء يجمعها سوى حب جمال عبد الناصر، الحب الغريزي القطيعي الذي لم ينجُ منه الأطفال المساكين، إذ يقول في أحد المقاطع: "صَحّيت الشرق بحالُه، بشعوبه بأطفالُه". أما الزعيم عبد الناصر، فقد انتزعت القيمة المعنوية لكلّ فرد من الملايين، وأهديت إليه، حتى يكبر، بينما هم يتضاءلون باطراد.
هذا كله ونحن لم نصل إلى النموذج الأكثر كارثية، الأغاني التعبوية التي تمتدح الحكام الديكتاتوريين السفاحين، ومثالها أغنية داود عبد الله "وينك صدّام" التي تحولت إلى دبكة شعبية، والأخرى التي كنا نسمعها من الراديو أيام غزو الكويت 1990، بعنوان "صدّام العرب"، وأغنية "راعي الفزعة"... أما الأغاني التي كانت تمجّد حافظ الأسد، فالغريب في أمرها أن معظمها أنتجت في الثمانينيات والتسعينيات، أي بعد ارتكاب حافظ وشقيقه رفعت ما لا يحسب الحاسب من المجازر بحق الشعب السوري، في حلب، وحماة، وحمص، وإدلب، وجسر الشغور، وسجن تدمر، فضلاً عن حملات الاعتقال الواسعة التي أدّت إلى امتلاء السجون والمعتقلات بالسوريين، آجالاً غير مسماة... من تلك الأغاني "تسلم للشعب يا حافظ" لجورج وسوف، و"حَمَاك الله يا أسدُ" لأصالة نصري، و"أبو باسل قائدنا" للبناني علي حليحل، وقد أنتجت عندما بدأ مخطّط توريث باسل الأسد رئاسة سورية في سنة 1993.
وهنا تبرز إشكالية خطيرة أخرى، أن بعض الأغاني مشغولة بطريقة جميلة وعامرة بالتطريب، مثل "من قاسيون أطل يا وطني" التي كتبها خليل الخوري ولحّنها سهيل عرفة، يخرُج مستمعها بنتيجة أن "البعث" حزب عظيم، وهو الذي أعطى القيمة لدمشق، ونثر فوقها الشهب. والأخطر أغنية "زادك الله" التي غنّاها مصطفى نصري بصوته العذب، مادحاً السفاح حافظ الأسد... وأين هؤلاء كلهم من سيمفونية "جبهة المجد" المأخوذة عن قصيدة محمد مهدي الجواهري التي أبدعها صفوان بهلوان وغنّتها ميادة الحناوي، ومعها مائة عنصر كورال، وبتكلفة مالية عالية.
أخيراً، بالعودة إلى أغنية "ربع الكفافي الحمر" نجد فيها فكرة خاطئة، وذات دلالة سيئة، وهي: الجور ما يقبله إلا "الردي خاله". وكلّكم تعلمون أنّ الإنسان ممكن أن يكون طيباً ونبيلاً ومحترماً، مع أنّ خاله ردي، والعكس صحيحٌ بالطبع.