أخرج أخرج أخرج ...
طردُ الضيوف وإجلاؤهم شائع في التلفزيونات المصرية، وكثيراً ما تدور في "علب الضوء" معارك بالكاسات والطاسات وأحياناً بالنعال. وقد سلط النظام المصري مذيعيه على الرئيس محمد مرسي حتى أجلوه عن كرسي الرئاسة. قياساً على قول شائع للمرشد المعتقل محمد بديع يمكن لهم القول: "تلفزيوناتنا أقوى من الرصاص".
يمكن تذكّر حملات "ماسبيرو" وغاراتهم على الجزائر عقب مباراة كرة القدم في "موقعة أم درمان" أو على السعودية، أو على قطر. أما عن الاستهزاء بالضيوف وإذلالهم فشائع أيضاً، مثال ذلك تنكيل وائل الأبراشي بمحمود شعبان، وشعبان أفصح ضيوف ماسبيرو وأعذبهم حجة، وكان وائل الأبراشي يدعوه ويعده بالمنِّ والسلوى ثم يغدر به، ويلهو به كما يلعب الهرُّ بفريسته. وأذكر أيضاً أنَّ النسر، الذي اشتراه تركي الشيخ وأكرمه، وضرب على ظهره تلك الضربة، أنّه استضاف مرّة شاعراً مصرياً، فتباهى بعدد زوار مدوّنته محاولاً إخافة المذيع وترويعه باللايكات والمتابعين، وهدّده بالانسحاب من الاستديو، فقال له المذيع العقور: مع السلامة يا اخويا، ومعناها: اتفضل الباب يفوّت جمل.
فيصل القاسم وهو صاحب خبرة، وحكَم حلبة إعلامية، طرد مرّة ضيفاً من "الاتجاه المعاكس" على حين غفلة، ففوجئ الضيف، وذكّر فيصل القاسم أنّ هذا "الطرد" ليس من خصائص برنامجه، والتحمية والإيقاد من أركان "الشو" يذكّر بواجبات المذيع وأصول إيراد الإبل... لكنّ فيصل "سبق السيف العذل" فاضطرّ المطرود إلى تصوير نفسه في مكتبه وراء طاولة كاديلاك، عروساً للمجد، في اليوم التالي.
الأمثلة كثيرة، لكنّي لم أشهد حادثة مثل حادثة طرد الضيف التركي من "قناة الثورة" وقد اشتعل الرأس شيباً، والعمر خيبةً، ولا أعرف إن كان الضيف التركي عنصرياً أم أنَّ عجمته ولسانه العربي الثقيل خاناه، فنطق بجملة معمّر القذافي: "من أنتم؟"، فأصبح وريث صاحب الزحف الأخضر، وشتّان.
وقدّر متابعون أن قناة "شتّان" تبغي زيادة المشاهدات وغرضها إعلامي، لكن الأمر أبعد من ذلك، فالمسرحية سياسيةٌ وجزءٌ من المعركة الانتخابية التركية على الأرجح. شكا الضيف المطرود المذيع اللاجئ للقضاء فانبرى سوريون للدفاع عن المذيع بسلاح التّرند، حتى أنَّ محللاً سورياً أصدر حلقة بعنوان تقديره المجازي: "كلّنا عنتر بن شداد"، قياساً على شعار سوري شهير "كلّنا باسل".
ما حصل أنَّ القضاء التركي خيّب الخائبين، وانتصف للمذيع اللاجئ لا لمواطنه التركي، وما هي إلا ساعاتٌ حتى خرج عنتر حراً طليقاً، مجللاً بعلم الثورة السورية، الذي يغفر الذنوب ويستر العيوب.
لا أعرف من نصح المعتقل السوري السابق عمر الشغري بشتم مجلس الأمن وقادة الدول العظمى تلك الشتيمة الشائنة، وأثنى عليها سوريون، وقد أودوا بالإبل، لكنّ الواقع أنَّ مندوب النظام في الأمم المتحدة "بشار مروحتي" أقرب إلى النظام الدولي زكاة ورحماً، ولساناً وحجّة من المعتقل الناجي، وأنّ الثورات لا تفلح بالشتائم.
ليست أم الضحية القتيل على الحدود التركية مثل قتيلة أفغانستان التي صارت مفتاحاً لغزوها، وهي امرأة ذبحت زوجها وهو نائم، وقدّمت للقضاء الأفغاني، كما يروي عبد السلام ضعيف في كتابه "حياتي مع طالبان"، وأقيم عليها الحدُّ في ملعب، ومنعت الكاميرات من الدخول إليه، لكنّ إعلامياً سورياً تسلّل إلى ساحة الملعب بكاميرا صغيرة وصوّر المشهد ثم بثّه، فذاع واشتُهر وشاع الفيديو في الدنيا كلها على أنّه قصاص زنا، وأصبح ذريعة إعلامية إضافية لغزو أفغانستان، وقتل ربع مليون أفغاني، ودمّرت بلاد برمتها.
التذعير والاستفزاز طريقة كان العساكر في سورية ينتقمون بها من خصومهم المدنيين، يرتدي العسكري ثياباً مدنيةً في الإجازة، ويتحرّش بخصمه، فيدحمه أو يضطرّه إلى أضيق الطرق أو يسبّه ويشتمه، فيغضب الخصم المدني ويضرب العسكري، فيشكوه إلى القضاء، والقانون يُعلي من شأن العسكري على المدني، في دولة العسكر والسكّر، فيحكم القاضي الشامخ على المدني بالسجن والغرامة، فيضطرّ الخصم المدني إلى تقبيل جزمة العسكري لإسقاط حقه، وقلّما يفعل.
نُسي قتيل الحدود في هذه المسرحية، ونُسيت أمه الثاكل، ونجا النظام من الغرق سباحة فراشة وكلب، وأمسى أبو ليلى المهلهل بطل الترند والثورة، وبقينا في الحفرة.