أخبار كوميدية سورية
صادقَ مجلس الشعب السوري الذي يسميه السوريون، في جلساتهم الخاصة، "مجلسَ التصفيق والدبكة" على مشروع قرار يقضي بمنع إنتاج المسلسلات التركية المدبلجة في أراضي الجمهورية العربية السورية، وحظر شرائها وعرضها على المحطات السورية. وعلى الرغم من الطبيعة الهزلية للقرار، هب المحللون الاستراتيجيون السوريون واللبنانيون، المناوبون في محطات الممانعة، لتثمينه، والإشادة به، واعتباره قراراً حكيماً يمثل إرادة الشعب السوري، أو، بالأصح، إرادة مَنْ تبقى من الشعب السوري على قيد الحياة، ذلك أن ممثلي الشعب السوري، بحسب ما قال أحد أولئك المحللين المناوبين، عَبَّرُوا، بهذا القرار، عن غضبهم من السياسة التركية، العصمانلية، السلجوقية، الأردوغانية، الإخوانية، التكفيرية.
المضحك في الموضوع أن المسلسلات التركية التي دُبلجت، في السنوات العشر الماضيات، هي من إنتاج القطاع الخاص التركي الذي يشهد منافسة حامية الوطيس. يعني لا علاقة لهذه المسلسلات بفلان، أو علان، أو عصمان، أو أردوغان، وهي أبعد ما تكون عن الأديان، والمذاهب، والإخوان المسلمين، والتكفير الذي يتحسس منه حسن نصر الله بشكل خاص. بل تقع على الطرف النقيض تماماً، فهي أعمال ميلودرامية بامتياز، تتوالد بعضُ أحداثها من بعض، من دون حبكة درامية متقنة، ويَشُطُّ فيها المنتجُ والمخرجُ، ويمَطّان، ويحشوان، حتى ليتجاوز طولُ المسلسل الواحد مئة وخمسين حلقة. إنها، في الغالب، أعمالٌ تقوم على استعراض الطبيعة التركية الخلابة، وعلى القتل والضرب (الأكشن)، وكَيْد النساء، والجمال الأنثوي الأخاذ، وتباري النجمات في زيادة فتحات الصدر، وتقصير التنورات، والغِنْج. أما الرجال، فيعتمد بعضُهم على الوسامة الفاتنة، كما الحال مع الممثل مهند، ذي الشعر الأشقر، والعينين الزرقاوين، والشفتين الحمراوين، تكفي نظرةٌ منه لكسر ظهر أية فتاة مهما كانت مُمَانِعَة. ويعتمد بعضُهم الآخر على الخشونة والجلافة والاستعداد الدائم للضرب والرفس، كما في أفلام الكاوبوي الأميركية التي أكل عليها الزمان وشرب.
تؤثرُ المسلسلات التركية المدبلجة؛ أكثر ما تؤثر، في الشعب السوري المؤيِّد لنظام ابن حافظ الأسد الذي ما يزال يقتل السوريين، من أجل تحقيق أهداف سامية؛ هي الحفاظ على مصالح روسيا وإيران بشكل معلن، وإسرائيل بشكل مضمر؛ فبين الشبان الذين انتسبوا إلى الجيش الوطني الذي يعرف باسم (جيش الشبيحة)، ثمّة مَنْ يمشي على العريض، ويضرب من يقع تحت يده على نحو مباغت، على طريقة مُرَات عَلَمْدار، بطل مسلسل وادي الذئاب، وبينهم مَن يحلق شعره على الموسى، مثل ميماتي باش... وإذا أرادت بنتٌ صبيةٌ أن تمدح رفيقتها فلانة، تقول إنها مثل لميس أبو شعر، لكن بختها مال زمناً طويلاً، ثم اعتدلَ، فطلبَ يدَها عريسٌ وسيم، مثل (مهند) فرد شكل. الله يهنيها يا رب.
في أواخر الثمانينات، بعد حوالي ربع قرن من إحداث التلفزيون السوري، بادر المخرج الكبير هيثم حقي، والمنتج داوود شيخاني، إلى كسر احتكار القطاع العام للإنتاج التلفزيوني السوري، فأنتجا مسلسلاً اسمُه حرب السنوات الأربع. وفي أوائل التسعينات، كان القطاع الخاص السوري قد تطوّر، وحدثت فورة إنتاجية كبرى، وأصبحت المسلسلات السورية تنافس الإنتاج المصري بشراسة، وأصبحت تدر على الاقتصاد السوري عملة صعبة. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، حدثت فورة إنتاجية من نوع خاص، تتمثل في إنتاج المسلسلات التركية المدبلجة، وافتتحت استوديوهات ضخمة لهذا الغرض، وأصبح جيشٌ طويل عريض من الممثلين متوسطي الموهبة يعيشون من إيرادات هذه الدبلجة.
بيد أن أعضاء مجلس الشعب السوري الذين تعيّنهم الشعبُ والفروعُ المخابراتية يفهمون في أسرار الهتاف، والتصفيق، وتأليف الأزجال، والدبكة أمام باب المجلس، حينما يصل ابن حافظ الأسد لزيارتهم، أكثر مما يفهمون بالفن والاقتصاد ومصلحة المواطن. لذلك، أرادوا أن ينافقوا للقيادة الإيرانية، وبقايا نظام الأسد، فقطعوا رزق أبناء بلدهم، ومنعوا مبالغ جيدة من دخول الخزينة.
أي نعم.