أخبار حسنة من البحرين والعراق
لعلّه الضجر من بقائنا ننظر في الأنصاف الفارغة في كؤوسٍ قدّامنا تبعث على الغيظ يجعلنا ننظر إلى الأنصاف الملأى بما يشيع بعض التفاؤل. يجوز أن نفعل شيئا من هذا، بل يحسُن أن نفعله، في شأن واقعتين في بلدين عربيين، دلّتا، في مواضع ظاهرة، على شناعةٍ فادحةٍ، ماثلةٍ في حال الأمة، لكنهما، في مواقع أخرى، دلّتا على أن وجدان هذه الأمة مُصانٌ من محاولات حكّامٍ وصنّاع قرار في غير بلد عربي العبث فيه، وضربه... إذا كان الحكمُ في البحرين قد اغتبط بزيارة وزير خارجية إسرائيل، يائير لبيد، إليه، وافتتاح الأخير سفارة دولة الاحتلال في المنامة، أول من أمس الخميس، فإن اجتماع 25 تشكيلا مدنيا وأهليا بحرينيا، جمعياتٍ واتحاداتٍ وروابط وتجمعاتٍ، تنوّعت بين نسويةٍ وعمّاليةٍ وشبابية وغيرها، وأخرى ناشطةٍ في دعم فلسطين وشعبها، وفي نصرة المسألة الحقوقية والديمقراطية في بلدها، وفي تبنّي قضايا المرأة والشباب، وتلوّنت بأنفاسٍ قوميةٍ وإسلاميةٍ وليبرالية، أقول إن اجتماع هذه كلها على بيانٍ موحّدٍ، وهي المنضوية في "المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني"، أمرٌ بالغ الأهمية والدلالة. وقد جهر البيان برفضٍ صريحٍ لزيارة الوزير الإسرائيلي الذي سمّاه "مجرما محتلا"، وإنه "يدنّس أرض البحرين". وأعلن أن "فتح سفارةٍ للكيان الصهيوني في بلادنا الحبيبة تدنيسٌ لترابها الطاهر واختراقٌ كبيرٌ يمكّن الاحتلال من العبث بالسلم الأهلي". وأتى البيان على ما يرتكبه "الكيان الغاصب" في الأراضي الفلسطينية من قتلٍ وإرهاب. وتوازيا مع هذه الغضبة المعلنة، احتشد آلافٌ من البحرينيين في مظاهراتٍ ساخطة، نعتت تطبيع النظام مع إسرائيل بالخيانة. وجهر بالسخط والحنق مغرّدون عديدون، عبّروا عن الوجدان العام لشعبهم الرافض أي علاقةٍ مع الدولة العبرية، وأشهروا وسم "البحرين ترفض الصهاينة".
سبقت الواقعة البحرينية هذه، بنصفيْها، الفارغ الذي ينذر بالتطيّر، والملآن الذي يحيي أملا، واقعةٌ عراقيةٌ تبدّت في مؤتمر أقيم في يوم جمعة (!)، الأسبوع الماضي، في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، واتّخذ لنفسه عنوانا خادعا وملتبسا "مؤتمر السلام والاسترداد"، دعا إلى تطبيعٍ معلنٍ وعلاقاتٍ كاملة بين العراق وإسرائيل، بالانخراط بما سميّت "اتفاقيات أبراهام" التي شملت البحرين والإمارات والمغرب والسودان، فيما ظاهر المؤتمر أنه ضد التطرّف والإرهاب، ويشجّع على حوار الأديان. وشارك فيه وجهاء عشائر وأفراد انكتب إنهم قدموا من جهات العراق كلها، لا حيثيات ظاهرة لهم. وباستثناء موظفةٍ رفيعةٍ في وزارة الثقافة العراقية، قرأت البيان الختامي، بالكاد نقع على صفات ومواقع محدّدة لكثيرين من المشاركين الذين نُشر أنهم نحو مائتين. وبعيدا عن اتهاماتٍ مرسلةٍ بشأن الحكومة المركزية في بغداد، أنها على درايةٍ بهذا المحفل الذي رعاه مركزٌ مقرّه في نيويورك، ودفعت أبوظبي من أجل تنظيمه، وعملت على تيسير أموره، وبعيدا عن اتهاماتٍ أخرى تم تصويبها إلى حكومة إقليم كردستان العراق، فإن النصف الممتلئ من الكأس يُخبرنا بتحرّك السلطات العراقية، ممثلة بمجلس القضاء الأعلى في بغداد، بإصداره مذكرات قبضٍ على مشاركين في هذا النشاط، كما فعلت محكمة جنايات الأنبار بحقّ آخرين، مع أنباء تواترت عن مذكّرات مثيلةٍ قيد الصدور، وكلها بقصد محاكمة هؤلاء وفقا لمادّة من قانون عراقي "تجرّم التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي أو الترويج له"، وبتهمة "تهديد الأمن الوطني العراقي، والتخادم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي". وقد ساءلت وزارة الثقافة العراقية تلك الموظفة، واعتبرت في بيانٍ لها أن المؤتمر سابقةٌ "تمسّ كرامة القضية الفلسطينية وحقوق شعبها"، وذلك كله فيما ندّدت بالمؤتمر رئاسات الحمهورية والبرلمان والحكومة، وأكّدت ثلاثتها على رفض العلاقة مع إسرائيل، كما أكّدت الأمر نفسَه حكومة كردستان العراق.
ولا حاجة في أيّ منا لصحيفة يديعوت أحرونوت عندما تستفتي خبراء ليقولوا لها إن السلام مع العراق حلمٌ بعيد المنال، ولا لغيرها من وسائط الإعلام في الدولة العبرية، عندما يتندّر بعضُها بحكاية سلامٍ نافلٍ مع البحرين. ذلك أن الإجماع العريض والمؤكّد، ويتم الإفصاح عنه في تعبيرات الغضب متنوعة التمثيلات والوجهات، هو ما يعنينا في تأكيد البديهي، استحالة قبول الوجدان العربي إسرائيل في أي أرض عربية.