أحلام إسرائيل حيال غزة
كشف مصدر سياسي إسرائيلي رفيع، من حاشية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلال زيارة كان يقوم بها، في أغسطس/ آب 2019، لأوكرانيا، أن إسرائيل على استعداد لأن تتيح لسكان قطاع غزة الراغبين في الهجرة منه إمكان الطيران من أراضيها، في حال وجود دولةٍ توافق على استيعابهم. ووفقاً لتصريحاته، سعى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إلى الدفع قدماً بخطة من هذا القبيل، في مقابل عدة دول عربية، وحازت الخطة تصديق نتنياهو، وجرى تداولها مرات في اجتماعات المجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية - الأمنية، وسارت في درب مُخطّط.. لكنها خابت في نهاية المطاف.
عُدّ هذا الكشف في حينه بمثابة دليل آخر على أن مخططات الترانسفير ملازمة لمشروع الصهيونية المفتوح، ولا سيما في ما يخصّ غزة. وسبقت الخطة في 2019 أخرى في 2016 عرضت فيها دولة الاحتلال على أهالي القطاع الهجرة عبر الأردن.
وبالعودة إلى الوراء أكثر، نجد أن مثل تلك المخططات تواترت على نحو خاص إثر حرب 1967، في نطاق المناقشات المتعلقة بمستقبل أراضي الضفة الغربية وغزة. ويمكن أن نستعيد منها ما كانت صحيفة هآرتس قد كشفت النقاب عنه في أغسطس/ آب 2005، بعد تعتيم استمر عشرات الأعوام، بشأن مخططات وحملات إسرائيلية سرّية استهدفت، في الأعوام التالية لتلك الحرب، تفريغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، على الأقل اللاجئين منهم، ومحاولة توطينهم في سيناء ودول عربية مجاورة، وخصوصاً الأردن. غير أن تلك الخطط والحملات انتهت كلها، حسبما أكد غير مسؤول إسرائيلي رفيع سابق، ممن كان لهم ضلع مباشر فيها، إلى الفشل الذريع، و"تلاشي أحلام" زعماء الدولة في تلك الفترة، كليفي إشكول وموشيه دايان ويغئال ألون وغيرهم، بتحويل قطاع غزة "بعد تطهيره من العرب وتعبئته بالمستوطنين اليهود" إلى "ريفييرا الشواطئ الإسرائيلية" على البحر المتوسط. ووفقاً لتحقيق الصحيفة، فإن الحلم الذي راود جميع المسؤولين والجهات الرسمية في إسرائيل، هو أن يستفيقوا في الصباح ويجدوا قطاع غزة فارغاً من السكان الفلسطينيين.
وقال الميجر جنرال احتياط، يتسحاق بونداك، الذي كان في 1967 ممثلاً لوزارة العمل الإسرائيلية في قطاع غزة، ولاحقاً الحاكم العسكري للقطاع وشمال سيناء، للصحيفة: "هناك من قرّر أنه يجب تفريغ قطاع غزة من سكانه...". ومع أنه لم يُشِر إلى هوية المسؤول أو الجهة الإسرائيلية الرسمية التي اتخذت هذا القرار، إلا أنه أكد أن "الذي اتخذ القرار اعتقد أنه إذا كانت حياة السكان صعبة وقاسية، وإذا لم تتوافر لهم لقمة عيش، فإنهم لن يتأخروا في الهرب والمغادرة (وشدّد على أنهم مع ذلك لم يغادروا)". وأُشير في التحقيق أيضاً إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، ليفي إشكول، صرّحَ، في اجتماع عقد في ديوانه بعد وقت قصير من الحرب، كما اقتبس ذلك المؤرّخ توم سيغف في كتابه "1967"، قائلاً: "أؤيد مغادرة الجميع حتى لو ذهبوا إلى القمر"! وأوكلت مهمة تنفيذ فكرة خفض السكان في غزة إلى جهازين: الموساد، و"وحدة مهمات خاصة في الحكومة" عملت إلى جانب الحكم العسكري في قطاع غزة، وأنيطت بها مهمة ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين من القطاع إلى الأردن، وانتهجت طرقاً متعددة.
ولفت تقرير "هآرتس" إلى أن أغلبية المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الذين جرى التحدّث إليهم قللوا من أهمية (ومردود) نشاطات تلك الوحدة التي عملت بتكليف مباشر من وزير الدفاع وديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية. غير أن الجنرال المتقاعد شلومو غزيت، الذي شغل وقتئذٍ منصب المعاون الخاص لوزير الدفاع، رفض التحدّث عن نشاط "الوحدة السرية" في غزة، وقال إنه "يجب شنق من يتحدّث عن ذلك.. فإسرائيل ما زالت في صراع مع العالم العربي ومع الفلسطينيين". وعلى حدّ تعبيره، لم يحن الوقت بعد للحديث عمّا كان يحدث في قطاع غزة "نظراً إلى حساسية الأمر".