كيف تؤثّر لائحة الاتهام ضد ترامب في ولاية جورجيا في حظوظه الانتخابية؟
سلّم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب نفسه، في 24 آب/ أغسطس 2023، بعد أن وُجّهت إليه رسميًّا اتهامات بمحاولة قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020 في ولاية جورجيا، في سجن مقاطعة فولتون في ولاية جورجيا، حيث جرى أخذ بصماته وصورة جنائية له، فضلًا عن احتجازه فترة وجيزة قبل أن يُطلق سراحُه بكفالة مالية قدرها 200 ألف دولار. وكانت هيئة محلفين كبرى وجهت إليه وإلى 18 شخصًا من مساعديه ومحاميه السابقين، في 15 آب/ أغسطس 2023، 41 تهمة تتعلق بالمشاركة في "مشروع إجرامي" واسع النطاق، يهدف إلى قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية في ولاية جورجيا التي خسرها عام 2020. ويواجه ترامب 13 تهمة من أصل 41 تتعلق بمحاولة ابتزاز موظفين عموميين، والإدلاء ببياناتٍ كاذبة، والتآمر لارتكاب جرائم تزوير، ومحاولة استبدال أعضاء "المجمع الانتخابي" Electoral College المنتخبين عن الولاية بآخرين مزيّفين للتصويت له. وهذه رابع قضية جنائية تُرفع ضدّه خلال خمسة أشهر، وتأتي قبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي تبدأ في كانون الثاني/ يناير 2024 لاختيار مرشّح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية التي تجري في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه. ويواجه ترامب قضيتين جنائيتين فدراليتين، واحدة في واشنطن تتصل بتهم التآمر لإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020، وقد خسرها أمام الرئيس جو بايدن، والأخرى في ميامي في ولاية فلوريدا، تتّصل بانتهاك قانون مكافحة التجسّس عبر أخذه وثائق سرية بعد انتهاء رئاسته. أما القضيتان الأخريان، فهما على مستوى الولايات، الأولى في نيويورك تتعلق بدفع رشوةٍ لممثلة إباحية قبل انتخابات عام 2016 لإخفاء معلومات تضر بفرصه الانتخابية، والثانية قضية محاولة قلب نتيجة الانتخابات في جورجيا.
إعادة كتابة قوانين السياسة
تُعدّ واقعة احتجاز ترامب وأخذ صورة جنائية له في جورجيا سابقة في تاريخ الولايات المتحدة؛ إذ لم يسبق أن واجه رئيسٌ أميركيٌّ سابق أو خلال فترة حكمه تهمًا جنائية بهذه الخطورة، ورغم ذلك، اعتمدت حملته الانتخابية صورته الجنائية، التي أُخذت في سجن مقاطعة فولتون، الصورة الرسمية، في محاولة لتقديمه ضحية ملاحقات سياسية. وأطلقت حملة ترامب مع المجموعات السياسية المرتبطة بها حملة تبرعات، تمكنت خلال يومين من جمع أكثر من سبعة ملايين دولار، في حين جمعت نحو 20 مليون دولار في الأسابيع الثلاثة السابقة لفترة احتجازه القصيرة في جورجيا، علمًا أنه كان يواجه ثلاث لوائح جنائية في حينه. وقد حاول ترامب أن يستخدم صورته الجنائية لاستدرار التعاطف باعتباره مستهدفًا سياسيًا للتأثير في مسار حملته الانتخابية؛ حيث قام، بعد أن سُمِحَ له يوم توقيفه نفسه في جورجيا بالعودة إلى منصة "X" (تويتر سابقًا)، بنشر الصورة لأكثر من 86 مليون متابع مرفقة بعبارة "التدخّل في الانتخابات... لا تستسلم أبدًا". وهذه أول تغريدة له منذ 8 كانون الثاني/ يناير 2021، أي بعد يومين من هجوم أنصاره على مبنى الكونغرس لمنع التصديق على فوز خصمه بايدن في انتخابات 2020.
من المبكّر جدًا الجزم بأن ترامب سيكون المرشّح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، مع بقاء أفضلية واضحة له
وبدلًا من أن يتوارى ترامب بسبب التهم التي تلاحقه، والتي بلغت حتى الآن 91 تهمة جنائية متضمّنة في أربع لوائح اتهام، فهو يسعى إلى توظيفها ليكسب التعاطف والدعم الشعبيَين، واعتبار التهم الموجّهة إليه مؤامرة يستهدفه بها الديمقراطيون، والرئيس بايدن شخصيًا، حتى لا يترشّح أمامه في انتخابات 2024، بعد أن "سرق منه الرئاسة عام 2021". ويبدو أن قواعد واسعة من الحزب الجمهوري تأخذ بمزاعم ترامب هذه، خصوصًا بعد أن صوّرها أنها لا تستهدفه وحده بل تستهدف أيضًا جمهور مناصريه. وبحسب استطلاعات رأي، ما زال 57% من الجمهوريين يعتقدون أن بايدن لم يجرِ انتخابه بطريقة شرعية.
وتؤكد استطلاعات مختلفة أن ترامب ما زال المرشّح الأوفر حظًا عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت تسعة استطلاعات رئيسة للرأي أُجريت، بعد ساعات من المناظرة الانتخابية بين المرشّحين عن الحزب الجمهوري في ميلووكي، في 23 آب/ أغسطس 2023، أي قبل يوم من تسليم ترامب نفسه في جورجيا، أظهرت أنه متقدّم 40 نقطة مئوية على أقرب منافسيه، حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس. ومن المعلوم أنه لم يشارك في المناظرة، بذريعة أن المتنافسين الثمانية فيها ليس لهم ثقل حقيقي في الانتخابات التمهيدية، بل إن ستة من المتنافسين أكّدوا أنهم سيدعمونه في الانتخابات الرئاسية، إذا فاز بترشيح الحزب، حتى لو جرت إدانته في أيٍّ من القضايا الأربع المرفوعة ضده. ويُظهر ذلك نفوذه الواسع داخل الحزب الجمهوري، وأن استهدافه يزيد من قوته بين أنصار الحزب؛ إذ تعتقد أغلبية كبيرة من الناخبين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات التمهيدية أن الاتهامات ضدّه دوافعها سياسية. وأظهر استطلاع رأي، جرى بعد عشرة أيام من المناظرة الجمهورية، أن ترامب يهيمن على اختيارات الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية بنسبة 59%، كما أنه وسّع الفارق مع ديسانتيس إلى 46 نقطة.
هل يمكن إيقاف ترامب؟
تُجمع استطلاعات الرأي على أن ترامب ما زال الأوفر حظًا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، لكن، ثمَّة مؤشّرات توحي بأن الناخبين قد يكونون مستعدّين للنظر في بدائل أخرى؛ ذلك أن بعض استطلاعات الرأي تفيد بأنه إذا أدين "بجريمة خطيرة" (وهذا يعتمد على سرعة مجريات العدالة)، فإن دعمه سينخفض في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري والانتخابات العامة أمام بايدن، وقد يجد صعوبة في التوفيق بين جلسات محاكماته وحملته الانتخابية.
لا يخفي الديمقراطيون رغبتهم في مواجهة جديدة بين ترامب وبين بايدن، يرون أنها ستكون في صالحهم
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تشهد الشهور الأربعة التي تفصلنا عن الانتخابات التمهيدية الأولى في الحزب الجمهوري، والتي ستجري في ولاية آيوا في 15 كانون الثاني/ يناير 2024، تغييرات أعمق في مزاج الناخبين، ففي انتخابات عام 2016 مثلًا، كان ترامب متقدمًا في استطلاعات الرأي في انتخابات آيوا، إلا أن السيناتور تيد كروز تمكّن من الظفر بالولاية بأغلبية 27.6% مقابل 24.3% لترامب. ومع أن استطلاعات الرأي تظهر أن ترامب متقدم حتى الآن في إيوا، فإن مرشّحين آخرين، خصوصا ديسانتيس، قد تُتاح لهم فرصة حقيقية للفوز بها؛ وهو ما قد يكون دافعًا لهم في الانتخابات التمهيدية التالية في الولايات المختلفة. وبحسب استطلاعات رأي، فإن 42% من الناخبين الجمهوريين في آيوا يقولون إن ترامب خيارهم الأول، و10% يقولون إنه خيارهم الثاني، و12% يقولون إنهم يفكّرون فيه بجدّية، ويمثل هذا 63% من الناخبين الجمهوريين المحتملين في آيوا. في المقابل، يقول 19% منهم إن ديسانتيس هو خيارهم الأول، و20% يقولون إنه خيارهم الثاني، و22% يقولون إنهم يفكرون فيه بجدية، بإجمالي 61% من الناخبين الجمهوريين المحتملين. وقد حلَّ السيناتور عن ولاية ساوث كارولينا تيم سكوت ثالثًا؛ إذ قال 9% إنه خيارهم الأول، و15% قالوا إنه خيارهم الثاني، و29% قالوا إنهم يفكّرون فيه بجدّية، بنسبة إجمالية قدرها 53%. أما المستقلون الذين يميلون إلى الجمهوريين في آيوا، فإنهم موزّعون بالتساوي تقريبًا بين ترامب (21%) وديسانتيس (19%).
إذا أخذنا هنا بالاستطلاعات الأخرى التي تذهب إلى أن إدانة ترامب "بجريمة خطيرة" ستؤدي إلى انخفاض دعمه في الانتخابات الجمهورية التمهيدية، وكذلك العامة، فإن هذا قد يعزّز فرص ديسانتيس أو سكوت في الانتخابات التمهيدية. ووفقًا لاستطلاع أجرته Yahoo News وYouGov، فإن حدوث مثل هذا السيناريو، أي تحوّل ترامب إلى مجرم مُدان، قد يدفع بعض مؤيديه الحاليين إلى التفكير مرّة أخرى في الإدلاء بأصواتهم له في عام 2024. وكان الاستطلاع قد أجري في الفترة 17-21 آب/ أغسطس 2023، أي بعد توجيه لائحة اتهام إليه في جورجيا وقبل تسليم نفسه لسلطات السجن في مقاطعة فولتون. واستنادًا إلى نتائج هذا الاستطلاع، فإن 52% من الناخبين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات التمهيدية قالوا إنهم سيدعمون ترامب، مقابل 12% لديسانتيس. وحين طُرح السؤال "إذا أدين ترامب بارتكاب جريمة خطيرة في الأشهر المقبلة، فلمن ستصوّت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولايتك عام 2024؟"، انخفض دعم ترامب بمقدار 17 نقطة (إلى 35% فقط). أما دعم ديسانتيس فارتفع بمقدار ثماني نقاط (إلى 20%). وما ينطبق على قاعدة الحزب الجمهوري ينطبق بدرجة أكبر على عموم الناخبين؛ إذ يبدو أن إدانة ترامب تُحدِث تغييرًا في وضعه الانتخابي، فأوساط واسعة من الجمهور ترفض فكرة أن يكون رئيس الولايات المتحدة مجرمًا مدانًا. ولذلك سوف يسعى محاموه إلى تأجيل الإجراءات القضائية وجلسات المحاكمات.
تتلخّص استراتيجية ترامب في التركيز على أن دوافع المحاكمات سياسية انتخابية، وعلى تأجيلها قدر الإمكان، والتشديد على تقدّم بايدن في السن وتأثيره في أداء مهمّاته
تفتح هذه المؤشّرات ثغراتٍ في جدار دعم ترامب، خصوصًا أن مواعيد المحاكمات القضائية، إن لم تتغيّر، ستبدأ في 4 آذار/ مارس 2024، في القضية الفدرالية المرفوعة ضده في واشنطن بتهمة محاولة إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها عام 2020. وسيكون ذلك قبل يوم فقط من انتخابات "الثلاثاء الكبير" التي تجري في عدد كبير من الولايات، وتمثل ثلث المندوبين الانتخابيين Delegates. وفي الشهر نفسه، تبدأ جلسات محاكمة نيويورك، في حين تبدأ محاكمة قضية فلوريدا في أيار/ مايو 2024، وهو الأمر الذي قد يُضعِف قدرته في التركيز على الانتخابات.
تتلخّص استراتيجية ترامب في التركيز على أن دوافع المحاكمات سياسية انتخابية، وعلى تأجيلها قدر الإمكان، والتشديد على تقدّم بايدن في السن وتأثيره في أداء مهمّاته.
خاتمة
في مقابل المعضلة التي يواجهها الجمهوريون في انتخاباتهم التمهيدية التي ترجّح فوز ترامب، لا يخفي الديمقراطيون رغبتهم في مواجهة جديدة بينه وبين بايدن، يرون أنها ستكون في صالحهم. وعلى الرغم من محاولات ترامب المتكررة جرَّ بايدن إلى الرد على اتهاماته له بأنه يوظّف وزارة العدل ومدّعين عامّين ديمقراطيين لاستهدافه قبل الانتخابات الرئاسية، فإن بايدن يتحاشى الرد على تلك الاتهامات أو حتى التعليق على لوائح الاتهام. ولا يريد الديمقراطيون إعطاء الجمهوريين أي فرصة للتذرع بأن القضايا التي يواجهها ترامب دوافعها سياسية. ومع أن استطلاع رأيٍ سابق أشار إلى أن إدانته بارتكاب جريمة خطيرة سيترتب عليها تراجع تأييده من 41 إلى 38%، مقابل 47% لبايدن، فإن استطلاع رأي جرى مؤخرًا وجد أنهما متساويان بنسبة 46%، في حين قال 8% إنهم لم يقرّروا بعد لمن سيعطون أصواتهم. أما في حال وجود مرشّح ثالث، فإن ترامب يتقدّم على بايدن بنسبة 40 مقابل 39%؛ وهو الأمر الذي يكتسي أهمية بالغة، في ظل حديث عن تفكير السيناتور الديمقراطي من ولاية ويست فرجينيا، جو مانشين، في الترشّح للرئاسة عن حزب ثالث. ويواجه بايدن تحدّيات جمَّة في حملة إعادة انتخابه للرئاسة؛ فثلثا الأميركيين لا يريدون أن يترشّح مرة أخرى بسبب كبر سنّه؛ إذ سيكون عمره 82 عامًا، إن فاز في انتخابات عام 2024. أضف إلى ذلك استياءً عامًا سببه ارتفاع معدل التضخّم وعدم تعافي الاقتصاد، لذلك لا تزيد نسبة التأييد لسياساته على 40%.
وفي كل الأحوال، من المبكّر جدًا الجزم بأن ترامب سيكون المرشّح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، مع بقاء أفضلية واضحة له. ومن المبكّر جدًا أيضًا استشراف نتيجة الانتخابات الرئاسية العام المقبل، مع بقاء الأفضلية لبايدن إن واجه ترامب.