NSO: القاتل حين يحاول تحسين صورته

25 اغسطس 2020
تاريخ امتدّ لسنوات من اختراق هواتف المعارضين في العالم العربي (Getty)
+ الخط -

لم يكن ما كشفته صحيفة "هآرتس"، أول من أمس الأحد، عن بيع شركة التجسس الإسرائيلية NSO في السنوات الأخيرة، برمجية التجسس المتطورة "بيغاسوس"، للإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى مفاجئاً. لكن لعلّ المفاجأة الوحيدة كانت ربط الشركة بشكل مباشر بدولة الاحتلال الإسرائيلي التي رعت وأشرفت على عملية بيع برمجية التجسس القادرة على اختراق الهواتف، إذ طيلة السنوات الماضية، كانت "أن أس أو" تصرّ على أنها شركة خاصة لا تربطها علاقات مباشرة مع سلطات الاحتلال. هذه الحقيقة، تأتي في سياق واضح، رسمته الشركة لنفسها منذ عام 2019 عندما قرّرت الخروج من الظلّ ومن العمل في السرّ، إذ شهد العام الماضي عمليّة بيع NSO إلى "نوفالبينا" (مقرّها لندن) مقابل مليار دولار. ومع انتقال الملكية الجديدة، ظهرت سياسة جديدة كذلك، من خلال الاستعانة بشركات للعلاقات العامة تهدف لتحسين صورة الشركة الإسرائيلية ومنتجاتها، إلى جانب صياغة سياسات جديدة تعتمدها في ما خص حقوق الإنسان... حتى أنّ الشركة بدأت بالتسويق لمنتجات أخرى غير برمجية "بيغاسوس" بينها نظام "فليمينغ" لتتبع فيروس كورونا، وفق ما نشرت مجلة "MIT تكنولوجي ريفيو" الأميركية قبل أيام، في مقال مفصّل بعنوان "داخل NSO، عملاق برامج التجسس الإسرائيلي" للصحافي باتريك هويل أونيل.
في التقرير الطويل (3500 كلمة) يجري الصحافي مقابلة مع المستشار العام لـNSO شمويل صنراي، الذي يحاول اختيار كلماته بشكل يتّسق مع الصورة الجديدة التي تريدها الشركة لنفسها، فيدّعي تارة أن برمجية "بيغاسوس" لا تباع إلا إلى الحكومات الديمقراطية، لكنه يعود ويبرّر حصول حكومات قمعية مثل المكسيك، والإمارات، والسعودية والبحرين عليها، بصفقات قيمتها مئات ملايين الدولارات. ويزعم أن 21 دولة ممنوعة من الحصول على البرمجية بينها تركيا، وقطر وإيران وكوبا وغيرها. وأمام كل الاتهامات التي تواجه "أن أس أو" بانتهاك خصوصية وحقوق الإنسان وتعريض حياة معارضين حول العالم للخطر، يردد صنراي الجملة نفسها التي غالباً ما ترددها الشركات المصنّعة للأسلحة الثقيلة: "نحن نبيع تقنيتنا للحكومات، ولسنا نحن من يستخدمها لأهداف تنتهك حقوق الإنسان". لكن هل يمكن لـ"بيغاسوس" اختراق كل الهواتف؟ من دون توضيح أية معايير تعتمدها الشركة، يقول صنراي إنّ البرمجية تتدمّر تلقائياً داخل الحدود الأميركية، وذلك بسبب تصميمها بشكل يعجز عن تعقب واختراق الهواتف في الولايات المتحدة، الأمر نفسه ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه القوة المتزايدة لـ"أن أس أو" تأتي في إطار نمو سريع لتقنيات التجسس حول العالم في العقد الأخير. فالشركة الإسرائيلية نفسها بيعت عام 2014 بمبلغ قيمته 130 مليون دولار، ليعاد بيعها العام الماضي، أي بعد 5 سنوات فقط، بمليار دولار. هذا الرقم مجرد انعكاس ملموس لبناء الشركة شبكة علاقات ضخمة تمكنّها من جني أرباح بمليارات الدولارات سنوياً.

لكن بينما تسعى NSO لتبييض صورتها عبر مجموعات نشاطات ومنتجات "سلمية" و"إنسانية"، تتراكم الشهادات والدعاوى ضدّها ليس في الخليج العربي فحسب. 
في المغرب مثلاً، كشف العام الماضي، عن تعرّض أكثر من أكاديمي وناشط لاختراق هواتفهم عبر برمجية "بيغاسوس". بين هؤلاء الصحافي المغربي وأستاذ العلاقات الدولية في المعهد الجامعي الأميركي في مدينة آكس آن بروفانس الفرنسية أبو بكر الجامعي، وأستاذ التاريخ السياسي في جامعة محمد الخامس بالرباط، المعطي منجب الذي اخترقت الحكومة المغربية هاتفه، ليكتشف أن تفاصيل عدة شخصية وغير معلنة تمّ نشرها في الصحف المحلية في إطار مهاجمته، ومهاجمة نشاطه الحقوقي.
في إسبانيا أيضاً، استخدمت الحكومة في مدريد البرمجية نفسها، لتعقب واختراق هاتف رئيس البرلمان الإقليمي الكتالوني، روجر تورينت، واثنين آخرين على الأقل من أنصار الاستقلال، وفق تحقيق نشرته صحيفتا "إل باييس" و"ذا غارديان".
كل ما سبق، يضاف إليه تاريخ امتدّ لسنوات من اختراق هواتف المعارضين في العالم العربي (مثل الإماراتي أحمد منصور، والصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي، وغيرهما) دفع منظمة العفو الدولية إلى مقاضاة الشركة، وطلب سحب ترخيصها في فلسطين المحتلة وذلك بسبب مساهمتها بانتهاك حقوق عاملين في المنظمة والتجسس عليهم. لكن الشهر الماضي ردّت محكمة "الشؤون الإدارية " في تل أبيب طلب المنظمة، ولم تسمح القاضية الإسرائيلية راحيل بركاي إلا بنشر تفاصيل محددة من القرار، علماً أن المداولات تمت بسرية وبجلسات مغلقة.
المنظمة الحقوقية لم تكن وحدها من طالبت بمقاضاة الشركة الإسرائيلية، بل في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قررت شركة "فيسبوك" مقاضاة شركة البرمجيات والهايتِك الإسرائيلية "أن أس أو" NSO، بسبب تزويدها برامج خبيثة مكنت بعض الحكومات من التجسس على صحافيين وناشطين سياسيين من خلال استغلال ثغرة في التطبيق.

دلالات
المساهمون