هنا الموصل.. أكثر من مليون مدني يترقّبون المعركة

13 أكتوبر 2016
منع "داعش" الصحون اللاقطة (هيمن بابان/ الأناضول)
+ الخط -

سكان الموصل، الذين يصل عددهم إلى مليون وربع مليون مدني، لا يبدو أنّ كثيرين يهتمون بما يعايشونه يومياً من أزمات. الأجندات السياسية لا تتحدث عنهم ولا التقارير الإعلامية. هم من تحاول "العربي الجديد" أن ترصدهم من داخل المدينة بالذات.

في الوقت الذي تتلقف فيه وسائل الإعلام آخر الأخبار المتعلقة بالتحضيرات العسكرية لتحرير الموصل، والضربات الجوية لقوات التحالف لمعالجة مواقع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المدينة، يتجه سكان الموصل إلى الدعاء أو حفر الخنادق داخل منازلهم للاحتماء، فلا شيء أكثر يمكنهم فعله لإبعاد شبح الموت عنهم.

المدينة الواقعة في شمال العراق، وتعتبر ثاني أكبر مدينة في البلاد، يئن سكانها من تسلط "داعش" وقسوته من جهة، والقصف الجوي الذي يسقط على مدينتهم باستمرار فيحصد قتلى وجرحى من بينهم، من جهة أخرى. لم يعد الموت لهم أكثر من عادة، لكنّهم يدركون أنّ "كارثة" بحجم كبير بدأت تقترب منهم... تلك هي معركة الموصل التي تصورها يومياً وسائل الإعلام العالمية على أنّها معركة فاصلة حاسمة.

بحسب تقديرات منظمات مدنية وتقارير دولية فإنّ نحو مليون وربع مليون مدني ما زالوا يعيشون في مدينة الموصل التي تشكل عاصمة لمحافظة نينوى، التي نزح منها نحو مليوني مواطن، بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليها في يونيو/ حزيران 2014، وإعلانها عاصمة لما أسماها دولة الخلافة الإسلامية.

تحتشد قوات مختلفة لمعركة حاسمة تسعى من خلالها إلى إعادة سيطرة الحكومة العراقية على المدينة. في هذا الإطار، تتمركز قوات الجيش العراقي بفصائل مختلفة في مناطق جنوب وشرق المحافظة. وتتخذ قوات البيشمركة الكردية مواقع لها من الجهتين الشرقية والشمالية الغربية. كذلك، تشارك بعض فصائل "الحشد الشعبي" في المعركة، بالرغم من رفض أهالي الموصل ذلك لاتهامها بارتكاب انتهاكات بحق مدنيين. ويساعد الطيران العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في توفير غطاء جوي. ويواصل منذ أشهر توجيه ضربات ضد مواقع "داعش" بالموصل، بحسب بياناته وتصريحات قياداته، فيما تؤكد تقارير ميدانية أنّ تلك الضربات تستمر في إيقاع ضحايا مدنيين أبرياء.

بحسب ما تكشف عنه "العربي الجديد" فإنّ سكان الموصل على اطلاع بما يجري خارج مدينتهم، ويعلمون جيداً حجم الحشود العسكرية لاقتحامها، بالرغم من حظر "داعش" متابعة القنوات التلفزيونية، ومنع اقتناء الصحون اللاقطة.

باتت المساجد الملاذ الأكثر قرباً إلى الأهالي، إذ صاروا يكثرون من الاعتكاف فيها للتعبّد والدعاء. هم يرون أنّ نهايتهم اقتربت، والموت أقرب إليهم من النجاة. يقول صحافي سابق من المدينة لـ"العربي الجديد": "الجميع يرون أنّ الموت آتٍ، وأنّ موتهم سيكون جماعياً. البعض سيحاول الهرب لكنهم يدركون أنّ فرصة النجاة ضعيفة".

ويكتب الصحافي في رسالة نصية، طالباً عدم كشف هويته حفاظاً على حياته: "أكثر الناس هنا يعتكفون في المساجد لأوقات طويلة خلال اليوم. يدعون الله ليلاً نهاراً أن تحسم المعركة بأسرع وقت ممكن، وأن ينجّيهم من شرها، أو أن يموتوا موتاً سريعاً".

الموت السريع الذي يقصده الصحافي، هو أن يُقتلوا بصواريخ أو قذائف مهما كان مصدرها، بحسب ما ذكره نازحون من قرى في أطراف الموصل الجنوبية، تحررت في معارك سابقة. باسم المشهداني، أحد هؤلاء النازحين، يقول إنّ "أخبار المليشيات لم تعد خافية على أحد، إنهم يستهدفون مناطق محددة لدوافع طائفية. اعتقلوا وعذبوا وقتلوا مدنيين بعد تحرير مناطقهم". يشير إلى أنّ "جميع أهالي الموصل يعتقدون أنّهم إذا نجوا من الموت على يد داعش أو القصف الجوي أو نيران المعركة، فسيعذبون ويقتلون على يد المليشيات".




مخاوف الموصليين كثيرة، لكنّ الموت ليس منها. ذلك مطلب صار يُحسد من يناله اليوم، بل إنّ الناس بالموصل صاروا يقولون لمن يقتل بقصف جوي: "مبارك له" لأنه "رحل وارتاح من الهمّ والغمّ" بحسب خالد الحمداني، الذي ينقل عن شقيقه في الموصل أخبار الناس هناك.
يقول الحمداني لـ"العربي الجديد" إنّه يحاول باستمرار التحدث مع شقيقه، الذي لم يتمكن من الهرب مع عائلته كما فعل هو. كان يرسل حوالات مالية إلى شقيقه: "الحياة صعبة جداً في الموصل وعمله توقف في تجارة الأجهزة الكهربائية". يضيف: "منذ أشهر توقفت عمليات التحويل المالي، وزاد الوضع سوءاً... اضطر شقيقي إلى العمل بصفة عامل خدمة لدى داعش من أجل توفير الغذاء لأسرته. أتحدث معه باستمرار عبر شبكة الاتصالات الخاضعة للمراقبة من قبل عناصر التنظيم. هو وعائلته اليوم يتمنون الموت، فهم يعتبرون المعركة المقبلة ناراً ستحرق الجميع".

بدوره، يقول أحمد الحمداني، وهو أيضاً من أهالي الموصل، لـ"العربي الجديد" إنّ السكان بدأوا في حفرِ حُفَر كبيرة داخل غرف المنزل أو حدائقها للاختباء فيها خلال ساعات القصف". يشير إلى أنّهم "انقسموا نصفين، البعض يرى أنّ الانتظار والاكتفاء بالدعاء هو ما يمكنهم فعله. آخرون بحثوا عن بدائل تحميهم وعائلاتهم من الموت كوضع أكياس رمل على أسطح منازلهم أو حفر خنادق للاختباء".

في غضون ذلك، تواصل جهات أممية ومنظمات إنسانية دولية تحذير الحكومة العراقية من إشراك قوات "الحشد الشعبي" في معركة تحرير الموصل المرتقبة. آخر التحذيرات جاء في رسالة وجهتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأسبوع الماضي إلى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي. قالت المنظمة في الرسالة إنّ "على الحكومة العراقية أن تتعهد بمنع عناصر القوات المسلحة، المتورطة في انتهاكات لقوانين الحرب، من المشاركة في العمليات المُخطط لها ضد تنظيم داعش في الموصل".

كذلك، طالبت المنظمة الحكومة العراقية بـ"ضمان حماية الحقوق الأساسية وعدم التمييز في الفحص الأمني واحتجاز الأسرى أثناء عمليات الموصل". وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمى فقيه، في الرسالة إنّ "المدنيين عانوا في الموصل طوال أكثر من سنتين في ظلّ حكم داعش، وقد يواجهون أعمال تنكيل وانتقام إذا استرجعت الحكومة المدينة، بالرغم من أنهم يحتاجون إلى الدعم والمساعدة".