من دون إنذار، وجد أبو يحيى نفسه عاطلاً عن العمل، بعدما أغلق معمل تصنيع الألبان ومشتقات الحليب الذي يعمل فيه أبوابه في الموصل، وسرّح جميع موظفيه وعماله نتيجة انقطاع التيار الكهربائي الذي عطّل أعماله.
وكانت الحكومة العراقيّة قد قطعت التيار الكهربائي عن مدينة الموصل وكامل محافظة نينوى، قبل أكثر من شهرَين، كردّ فعل على سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) عليهما.
وفشلت الحكومة المركزيّة، بوزاراتها وبكل جهودها ووعودها المتكرّرة، في إعادة الحياة إلى هذه الطاقة الحيويّة والضروريّة بعدما نالت منها الحروب، وكل ما مرّت به البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي ولحدّ الآن.
ويخبر أبو يحيي: "أنا عامل بسيط كمئات غيري في معمل الألبان الأهلي. هدفي سدّ رمق عائلتي المؤلفة من عشرة أفراد. إلا أن عملنا بدأ يتزعزع مذ سيطر داعش على الموصل حتى بلغنا اليوم مرحلة الاستراحة الإجباريّة". يضيف أن المئات أصبحوا اليوم في الشارع ومن دون مصدر للرزق. ومعظم هؤلاء من الفقراء والمعدمين الذين يعيلون أُسَراً كبيرة، ومن بينهم من يسكن في بيوت مستأجرة. بالتالي، من شأن ذلك أن يخلق مشاكل اقتصاديّة واجتماعيّة ونفسيّة لهم ولعوائلهم وللبلد بشكل عام.
إلى ذلك، يتخوّف كثيرون من أن تستغل الجماعات المسلحة والإرهابيّة حاجة هؤلاء وفقرهم وخصوصاً الشباب منهم، لاستمالتهم وتشجيعهم بالمال على الانضمام إلى صفوفها.
من جهتهم، مُنِيَ التجار وأصحاب المعامل التي تعتمد على الكهرباء بشكل رئيسي، بخسائر اقتصاديّة وماديّة كبيرة بعدما توقف العمل في مصانعهم.
ويقول فاضل عزيز وهو صاحب أحد معامل الألبان لـ "العربي الجديد"، إن "خسائرنا كبيرة بعد قطع التيار الكهربائي. فنحن نتعامل مع مواد سريعة التلف تتطلب تخزيناً في برادات وثلاجات كبيرة لا يمكن للمولدات المتوفرة لدينا، تشغيلها. كذلك تعجز عن تشغيل الماكينات والأجهزة الأخرى، ما اضطرنا إلى التوقّف عن العمل وتسريح العمال". يضيف أن الأمر "أضرّ أيضاً بالسوق المحليّة التي شحّت البضائع فيها وارتفعت أثمان المتوفّر بالتزامن مع وقف البضائع المستوردة من المحافظات الأخرى، ومن خارج العراق نتيجة إغلاق الطرقات".
لم تعلّق وزارة الكهرباء الاتحاديّة على القطع المتعمد للكهرباء عن مدينة الموصل منذ ستة أشهر، في حين يطالب نواب عن محافظة نينوى بجلسة استثنائيّة للبرلمان بهدف مناقشة وضع الخدمات المتردّي في المحافظة، وبخاصة القطع المستمرّ للتيار الكهربائي. فهم يعتبرون ذلك أشدّ سوءاً مما يعانيه النازحون في المخيمات، بحسب ما جاء على لسان النائب عن نينوى عبد الرحمن اللويزي. ويشير إلى أنه "تم جمع تواقيع عشرات من نواب البرلمان للموافقة على عقد هذه الجلسة الاستثنائية لإنقاذ نينوى من التدهور الخدمي، الذي ينذر بكوارث إنسانيّة وبيئيّة وبانتشار للأوبئة والأمراض، إذا لم تسارع الحكومة لوضع حلول مناسبة بهدف تأمين الخدمات للأهالي".
وأصاب وقف الإمداد بالتيار الكهربائي الحياةَ في مدينة الموصل، بالشلل. فتوقف عمل عدد كبير من القطاعات كالمستشفيات والأفران، وجمّدت خدمات تُقدّم إلى الأهالي كالمياه وغيرها.
أما المنازل، فقد تضرّرت هي الأخرى ولم يعد بالإمكان تشغيل الأجهزة الكهربائيّة، وسخانات المياه والحمامات والمطابخ التي تستلزم طاقة كهربائيّة كبيرة. فلجأ المواطنون إلى بدائل بدائيّة تعتمد على استخدام النفط الأبيض والغاز الذي شحّ في الأسواق وارتفعت أثمانه.
وتشكو هنا أم أشرف قائلة: "لم تصلنا الكهرباء منذ أكثر من شهرَين. ونعتمد على المولدات الأهليّة في توفير الطاقة لساعات محدودة يومياً. وقد ارتفع سعر الأمبير الواحد ليصل إلى سبعة آلاف دينار، في حين قفز في مناطق وأحياء أخرى من المدينة إلى 12 ألف دينار". تضيف: "أثّر ذلك كثيراً على حياتنا"، مناشدة الحكومة المركزيّة في بغداد بفكّ ما أسمته بالحصار المفروض على المدينة، في ما يتعلّق بالخدمات وبسرعة توفيرها لهم. فالمواطنون، لا ذنب لهم وهم واقعون بين مطرقة "داعش" وسندان الحكومة، بحسب قولها.
وكانت وزارة الكهرباء في بغداد قد قامت بفصل محافظة نينوى تماماً عن منظومة الكهرباء الوطنيّة منذ منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، بعد سيطرة "داعش" عليها. كذلك، قطعت الغاز عن محطة توليد الموصل التي تعمل بالغاز، ما أدى إلى توقفها عن العمل، في حين يتمّ الاعتماد على محطة توليد سدّ الموصل كمصدر وحيد لمدّ المدينة بالطاقة بواقع ساعتَين، مرّة كل خمسة أيام.
ويشرح أحد موظفي مديريّة كهرباء نينوى وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته، أن الخط الناقل للكهرباء من محطة سد الموصل في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد تعرّض إلى قصف طائرات التحالف الدولي خلال استهدافها لتجمعات "داعش" بالقرب من الخط. وهو ما تسبّب بقطع الكهرباء عن المدينة منذ ذلك التاريخ. وشدّد الموظف على صعوبة صيانة الضرر بسبب وقوعه في منطقة تشهد أعمالاً مسلحة، وقد فاقم الأمر من معاناة المدينة وجميع مؤسساتها ودوائرها ودورها ومحالها.
في العشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت أجهزة مديريّة كهرباء نينوى بتشغيل محطة القيارة الغازيّة الواقعة في ناحية القيارة (جنوب الموصل)، بأمر من تنظيم "داعش" الذي فرض تشغيلها بالغاز المتوفّر لتجهيز المحافظة بالكهرباء وتشغيل مشاريع الماء المتوقّفة. لكن المحطة سرعان ما توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود.
ويحذّر متخصّصون في مجال الاقتصاد من مغبّة استمرار قطع التيار الكهربائي عن محافظة نينوى، وتوقّف حركة الاقتصاد والمال فيها، إذ ينذر ذلك بكوارث بيئيّة واجتماعيّة ومشاكل عديدة أخرى يصعب حلها. ويرى الخبير الاقتصادي أنور جاسم ضرورة أن "تتخلى الحكومة المركزيّة عن فكرة العقاب الجماعي للأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وأن تعمل بدلاً من ذلك على كسب تأييدهم لخطوات الحكومة في سعيها إلى التخلّص من داعش وتحرير الموصل، من خلال إيجاد طرق مناسبة لتوفير الخدمات لهم، وخصوصاً تجهيز المحافظة بحصتها من التيار الكهربائي أسوة ببقيّة المحافظات العراقيّة".
وكانت الحكومة العراقيّة قد قطعت التيار الكهربائي عن مدينة الموصل وكامل محافظة نينوى، قبل أكثر من شهرَين، كردّ فعل على سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) عليهما.
وفشلت الحكومة المركزيّة، بوزاراتها وبكل جهودها ووعودها المتكرّرة، في إعادة الحياة إلى هذه الطاقة الحيويّة والضروريّة بعدما نالت منها الحروب، وكل ما مرّت به البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي ولحدّ الآن.
ويخبر أبو يحيي: "أنا عامل بسيط كمئات غيري في معمل الألبان الأهلي. هدفي سدّ رمق عائلتي المؤلفة من عشرة أفراد. إلا أن عملنا بدأ يتزعزع مذ سيطر داعش على الموصل حتى بلغنا اليوم مرحلة الاستراحة الإجباريّة". يضيف أن المئات أصبحوا اليوم في الشارع ومن دون مصدر للرزق. ومعظم هؤلاء من الفقراء والمعدمين الذين يعيلون أُسَراً كبيرة، ومن بينهم من يسكن في بيوت مستأجرة. بالتالي، من شأن ذلك أن يخلق مشاكل اقتصاديّة واجتماعيّة ونفسيّة لهم ولعوائلهم وللبلد بشكل عام.
إلى ذلك، يتخوّف كثيرون من أن تستغل الجماعات المسلحة والإرهابيّة حاجة هؤلاء وفقرهم وخصوصاً الشباب منهم، لاستمالتهم وتشجيعهم بالمال على الانضمام إلى صفوفها.
من جهتهم، مُنِيَ التجار وأصحاب المعامل التي تعتمد على الكهرباء بشكل رئيسي، بخسائر اقتصاديّة وماديّة كبيرة بعدما توقف العمل في مصانعهم.
ويقول فاضل عزيز وهو صاحب أحد معامل الألبان لـ "العربي الجديد"، إن "خسائرنا كبيرة بعد قطع التيار الكهربائي. فنحن نتعامل مع مواد سريعة التلف تتطلب تخزيناً في برادات وثلاجات كبيرة لا يمكن للمولدات المتوفرة لدينا، تشغيلها. كذلك تعجز عن تشغيل الماكينات والأجهزة الأخرى، ما اضطرنا إلى التوقّف عن العمل وتسريح العمال". يضيف أن الأمر "أضرّ أيضاً بالسوق المحليّة التي شحّت البضائع فيها وارتفعت أثمان المتوفّر بالتزامن مع وقف البضائع المستوردة من المحافظات الأخرى، ومن خارج العراق نتيجة إغلاق الطرقات".
لم تعلّق وزارة الكهرباء الاتحاديّة على القطع المتعمد للكهرباء عن مدينة الموصل منذ ستة أشهر، في حين يطالب نواب عن محافظة نينوى بجلسة استثنائيّة للبرلمان بهدف مناقشة وضع الخدمات المتردّي في المحافظة، وبخاصة القطع المستمرّ للتيار الكهربائي. فهم يعتبرون ذلك أشدّ سوءاً مما يعانيه النازحون في المخيمات، بحسب ما جاء على لسان النائب عن نينوى عبد الرحمن اللويزي. ويشير إلى أنه "تم جمع تواقيع عشرات من نواب البرلمان للموافقة على عقد هذه الجلسة الاستثنائية لإنقاذ نينوى من التدهور الخدمي، الذي ينذر بكوارث إنسانيّة وبيئيّة وبانتشار للأوبئة والأمراض، إذا لم تسارع الحكومة لوضع حلول مناسبة بهدف تأمين الخدمات للأهالي".
وأصاب وقف الإمداد بالتيار الكهربائي الحياةَ في مدينة الموصل، بالشلل. فتوقف عمل عدد كبير من القطاعات كالمستشفيات والأفران، وجمّدت خدمات تُقدّم إلى الأهالي كالمياه وغيرها.
أما المنازل، فقد تضرّرت هي الأخرى ولم يعد بالإمكان تشغيل الأجهزة الكهربائيّة، وسخانات المياه والحمامات والمطابخ التي تستلزم طاقة كهربائيّة كبيرة. فلجأ المواطنون إلى بدائل بدائيّة تعتمد على استخدام النفط الأبيض والغاز الذي شحّ في الأسواق وارتفعت أثمانه.
وتشكو هنا أم أشرف قائلة: "لم تصلنا الكهرباء منذ أكثر من شهرَين. ونعتمد على المولدات الأهليّة في توفير الطاقة لساعات محدودة يومياً. وقد ارتفع سعر الأمبير الواحد ليصل إلى سبعة آلاف دينار، في حين قفز في مناطق وأحياء أخرى من المدينة إلى 12 ألف دينار". تضيف: "أثّر ذلك كثيراً على حياتنا"، مناشدة الحكومة المركزيّة في بغداد بفكّ ما أسمته بالحصار المفروض على المدينة، في ما يتعلّق بالخدمات وبسرعة توفيرها لهم. فالمواطنون، لا ذنب لهم وهم واقعون بين مطرقة "داعش" وسندان الحكومة، بحسب قولها.
وكانت وزارة الكهرباء في بغداد قد قامت بفصل محافظة نينوى تماماً عن منظومة الكهرباء الوطنيّة منذ منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، بعد سيطرة "داعش" عليها. كذلك، قطعت الغاز عن محطة توليد الموصل التي تعمل بالغاز، ما أدى إلى توقفها عن العمل، في حين يتمّ الاعتماد على محطة توليد سدّ الموصل كمصدر وحيد لمدّ المدينة بالطاقة بواقع ساعتَين، مرّة كل خمسة أيام.
ويشرح أحد موظفي مديريّة كهرباء نينوى وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته، أن الخط الناقل للكهرباء من محطة سد الموصل في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد تعرّض إلى قصف طائرات التحالف الدولي خلال استهدافها لتجمعات "داعش" بالقرب من الخط. وهو ما تسبّب بقطع الكهرباء عن المدينة منذ ذلك التاريخ. وشدّد الموظف على صعوبة صيانة الضرر بسبب وقوعه في منطقة تشهد أعمالاً مسلحة، وقد فاقم الأمر من معاناة المدينة وجميع مؤسساتها ودوائرها ودورها ومحالها.
في العشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت أجهزة مديريّة كهرباء نينوى بتشغيل محطة القيارة الغازيّة الواقعة في ناحية القيارة (جنوب الموصل)، بأمر من تنظيم "داعش" الذي فرض تشغيلها بالغاز المتوفّر لتجهيز المحافظة بالكهرباء وتشغيل مشاريع الماء المتوقّفة. لكن المحطة سرعان ما توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود.
ويحذّر متخصّصون في مجال الاقتصاد من مغبّة استمرار قطع التيار الكهربائي عن محافظة نينوى، وتوقّف حركة الاقتصاد والمال فيها، إذ ينذر ذلك بكوارث بيئيّة واجتماعيّة ومشاكل عديدة أخرى يصعب حلها. ويرى الخبير الاقتصادي أنور جاسم ضرورة أن "تتخلى الحكومة المركزيّة عن فكرة العقاب الجماعي للأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وأن تعمل بدلاً من ذلك على كسب تأييدهم لخطوات الحكومة في سعيها إلى التخلّص من داعش وتحرير الموصل، من خلال إيجاد طرق مناسبة لتوفير الخدمات لهم، وخصوصاً تجهيز المحافظة بحصتها من التيار الكهربائي أسوة ببقيّة المحافظات العراقيّة".
انقطاع خلويّ أيضاً
لا يمكن القول إن الاتصالات الخلويّة في الموصل أفضل حالاً من وضع التيار الكهربائي والخدمات الأخرى فيها. فبعدما كانت شبكات الهاتف المحمول قد انقطعت بالكامل عن المدينة قبل نحو شهر بالتزامن مع ارتباك كبير في صفوف تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش)، يمكننا اليوم العثور على تغطية "لا بأس بها" في مناطق محدّدة، بحسب ما أفاد بعض السكان.