يملأ الأطفال الشوارع الرئيسية في قطاع غزة. هؤلاء لا يلعبون بالضرورة. تغيرت حياتهم بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. يقضون ساعات في الشارع من دون الكرة. وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل لمساعدة أهلهم، وخصوصاً بعدما دُمرت منازلهم، وما زالوا بانتظار إعادة إعمارها. عادة ما يلجأ الأطفال إلى البيع أو والتسول في شارع عمر المختار، الذي يعج بالمحال التجارية والشركات. بالتالي، يعدّ مصدراً جيداً لهم لكسب قوتهم اليومي.
ما إن يسمع خليل (11 عاماً) رنين الجرس في المدرسة، حتى يحمل علبة مليئة بالحلوى، ويتنقل بين السيارات لبيع ما يملك. يقول لـ"العربي الجديد": "صرت مضطراً إلى العمل بعدما دُمر منزلنا في منطقة المنطار بالشجاعية". لا يخفي شعوره بالخجل في حال رآه أحد زملائه في المدرسة، فيعمد إلى إخفاء وجهه على الفور. وإذا لم يستطع تدارك الأمر، يستعد لمواجهة سخريته في اليوم التالي. حتى إن بعضهم يتجنبون اللعب معه. يضيف: "يعاملونني كأنني لص".
خليل ليس الطفل الوحيد الذي أجبرته ظروفه على العمل في وقت مبكر. أثناء التجوال في شوارع غزة، يمكن رؤية أطفال كثيرين يرتدون الزي المدرسي الأزرق، ويتنقلون بين السيارات، أو يعرضون بضاعتهم على المارة.
في السياق، تقول الناشطة والمدافعة عن حقوق الأطفال منال رضوان إن "عمالة الأطفال تحولت إلى ظاهرة منذ بداية الانتفاضة الثانية، ويصعب القضاء عليها، خاصة أنها تزداد عاماً بعد عام". توضح لـ"العربي الجديد" أن "جميع المشاريع المخصصة للأطفال في قطاع غزة، غالباً لا تحقق الأهداف المرجوة منها. من هنا، يصعب القضاء على هذه الظاهرة".
أيضاً، تلفت رضوان إلى أن "استمرار الحصار سيساهم في تفاقم هذه الظاهرة، ويكمن الحل في مساعدة عائلات الأطفال، وتأمين احتياجاتهم الأساسية، حتى لا يضطر أطفالهم إلى العمل. فالفقر والعوز غالباً ما يدفع الأهل إلى إجبار أطفالهم على العمل في أوقات فراغهم، أو حتى ترك المدرسة".
يومياً، يأتي محمد (10 أعوام) من بلدته جباليا إلى وسط مدينة غزة للتسول في ساحة الجندي المجهول. يمد يده إلى المارة، ويحمل في الثانية ورقة تؤكد إصابة والده في عموده الفقري، حتى بات عاجزاً عن العمل. لا يعرف والداه أنه يتسول. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد انتهاء العدوان، شجعني أطفال آخرون على التسول؛ لأن حالهم مثل حالي. أحمل إلى والدتي يومياً بعض النقود. لم أخبرها الحقيقة بعد. تعرف أنني أعمل في إحدى الورش".
أما فتحي (9 أعوام)، فلجأ إلى بيع السجائر بتشجيع من والده. يقول الأب لـ"العربي الجديد": كلانا يبيع السجائر. أراقبه طوال اليوم. لو عملت وحدي، فلن أستطيع إطعام أسرتي، وخصوصاً أننا خسرنا منزلنا خلال العدوان، ونقيم اليوم في كرفان". أما فتحي، فبات اليوم على دراية بأنواع السجائر، حتى إنه ينصح زبائنه، وخصوصاً المبتدئين منهم.
ترى وزارة الشؤون الاجتماعية أن وضع خطة للقضاء على هذه الظاهرة صعب جداً، ويخرج عن سيطرتها. في الوقت الحالي، تعمد إلى إيجاد آلية لمساعدة العائلات الفقيرة، حتى لا تضطر إلى إجبار أطفالها على العمل.
يقول الموظف في دائرة التوعية في وزارة الشؤون الاجتماعية مؤنس جبر لـ"العربي الجديد": "لا يمكن إيجاد حلول لانتشال هؤلاء الأطفال من الشوارع، طالما أن أهلهم لا يعمدون إلى مراقبتهم". يضيف: "بعد العدوان، زادت أعداد الأطفال الباعة والمتسولين، ما جعل الوزارة في حيرة". ولفت إلى أنه في ظل استمرار الانقسام الداخلي، وعدم تواصل الوزارات بين غزة والضفة الغربية، سيبقى الوضع على ما هو عليه، وقد يتفاقم؛ مما ينذر بكارثة.
100 ألف طفل عامل