رحلة الموت من الحويجة العراقية

23 فبراير 2017
إمّا الموت خارج الحويجة وإما الموت البطيء(الأناضول/Getty)
+ الخط -




قد لا تُكتب لك الحياة مجدّدا إذا حاولت الهرب من بلدة الحويجة العراقية الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فطريق الهرب محفوف بمخاطر جمّة، وإذا استطعت تجاوز عبوات ودوريات التنظيم، فمن يضمن أنّك ستنجو من البشمركة الكردية؟ وإن نجوت منها فلن تنجو من مليشيات "الحشد الشعبي".

ثلاث خطوط للموت تحيط بهذه البلدة الصغيرة، التي كُتب على أهلها الفناء وسط صمت حكومي مطبق، فإذا كنت من أهالي البلدة فأمامك خياران لا ثالث لهما، إمّا البقاء تحت سيطرة "داعش" أو الانتحار في أحد الخطوط الثلاثة.

روايات كثيرة مروّعة تتحدّث عن انتهاكات "داعش" داخل البلدة، فضلاً عن الحصار الخانق الذي يفرض عليها، وما تسبب به من جوع ومرض، بينما تعد تلك الروايات أسهل بكثير مما يتعرض له الهاربون من البلدة، مّمن وقعوا بيد أحد الخطوط الثلاثة.

يقول أبو خالد العبيدي، وهو من أهالي البلدة استطاع الهرب في بدايات دخول "داعش" إليها منذ نحو عام ونصف العام، لـ"العربي الجديد" "لم نتصور أن تترك الحكومة بلدتنا وأهلنا بيد "داعش". كانت تتوعد بالتحرير والتحرّك العسكري والقوات والجيش والشرطة، لكنّنا لم نر شيئا من كل ذلك".

ويضيف "فرض التنظيم على البلدة سيطرته الكاملة، وحصاره المطبق حتى تمكّن الجوع والمرض من أهلنا، في وقت لغّم بالعبوات الناسفة طرق الهرب، ليرغم الأهالي على البقاء داخل البلدة رغم كل ذلك، لكنّ الحياة أصبحت جحيما لا يطاق، مع انعدام كل مقومات الحياة في البلدة، من جوع ومرض وبطش "داعش" وتعطيل لكل الحياة".

ويتابع "حاولت عدد من العوائل الهرب من ذلك الجحيم، لتواجه جحيماً آخر وتقع ضحية عبوات "داعش" وألغامه ودورياته على الطريق، والتي تسببت بإعاقة العشرات، بينما الذي ينجو من تلك العوائل يقع حتما بيد البشمركة الكردية، التي لم تكن تحسب إلّا قوات صديقة للأهالي، لكنّها للأسف بطشت بتلك العوائل وعذبتهم تعذيبا يندى له جبين الإنسانية، من دون معرفة الأسباب".


ويلفت إلى أنّ "العديد ممّن وقعوا بيد البشمركة (الخط الثاني) عرضوا رويات مروعة عن الضرب المبرّح والكدمات، والركل بالأقدام وتكسير الأطراف، وغيرها من صنوف الإذلال والتعذيب".

ويضيف "ما إن تتجاوز خطين من خطوط رحلة الموت؛ حتى يبق أمامك خط واحد يضع حياتك على المحكّ، فإما النجاة أو التغييب، لا يعلم مكانك أحد لتبقى مجهول المصير؛ ذلك هو خط مليشيات الحشد التي تراقب الطرق وتتابع الفارين والخائفين، وتعاملهم كأنّهم عناصر من "داعش" حتى وإن كانوا أطفالا لا يحملون السلاح".

ويشير إلى أنّه "لا روايات عن التعذيب لتلك العوائل على يد الحشد، فمن يقع بيدها لن تكتب له الحياة ليروي معاناته، ولن يعيش ليتحدث عن المآسي التي ذاقها قبل تغييبه في مكان لا يعلمه إلّا الله".

وتظل بلدة الحويجة محاطة بأسوار الموت، لا خيار أمام أهلها: إمّا الموت خارجها أو الموت البطيء بالداخل المروع وسطوة التنظيم، وسط صرخات ومناشدات لتدخل حكومي لكن بلا جدوى.

ويقول النائب عن محافظة كركوك، محمد تميم، وهو من أهالي الحويجة، إنّ "الحويجة تباد وتقتل بصمت وسط تجاهل حكومي".

ويوضح تميم لـ"العربي الجديد"، أنّه "لم تتعرّض مدينة عراقية من قبل لمثل ما تتعرّض له الحويجة اليوم"، مبديا استغرابه من "وجود القطعات العسكرية القريبة من بلدة الحويجة، لكن عدم وجود أي أمر بالتحرّك العسكري نحوها".

كما يؤكد أنّ "المشكلة تكمن بوجود إرادة لا تريد للحويجة أن تتحرّر، ما دفعنا لتقديم طلب بالبرلمان لمناقشة موضوع الحويجة وتحريرها"، مطالبا رئيس الحكومة حيدر العبادي بـ"التحرّك العسكري نحو الحويجة وإنقاذ أهلها، وأنّ المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تفرض التحرّك العسكري لتحرير البلدة".

يشار إلى أنّ مسؤولين وقادة عشائريين وجّهوا انتقادات، خلال تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إلى الحكومة بسبب تعاملها سياسياً مع ملف بعض المناطق التي مازالت خاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل المحافظات المحرّرة ومنها الحويجة، مؤكدين أنّ المساومات والصفقات السياسية التي تدار بشأن تلك المناطق، حالت دون التحرّك عسكريا لتحريرها، وأنّ تصارع المصالح منح التنظيم فرصة البقاء في تلك المناطق.