في خطوة غير مسبوقة، تمكنت السفارة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، من عقد مؤتمر افتتح في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم أمس الثلاثاء بهدف محاربة جهود حركة المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية العالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي والمعروفة باسم BDS.
وعقدت السفارة الإسرائيلية هذا المؤتمر بمشاركة عدة منظمات صهيونية من بينها "المجلس اليهودي العالمي" ومنظمة "قفوا معنا" ومنظمة "هليل" وغيرها تحت شعار "بناء الجسور لا المقاطعة". وشارك في المؤتمر نحو 1500 شخص، منهم طلاب جامعيون وممثلون دبلوماسيون وخبراء في القانون وفنانون وغيرهم، بحسب برنامج المؤتمر الرسمي.
وعلى الرغم من عقد المؤتمر داخل أبنية الأمم المتحدة في نيويورك، إلا أنه ليس تحت رعاية رسمية منها، ولكنه يأتي بعد موافقتها على عقده، حيث يسمح للدول الأعضاء باستخدام قاعات الأمم المتحدة لفعاليات مختلفة على ألا تكون هذه الفعاليات أو المعارض متناقضة مع القانون الدولي وحقوق الإنسان وقرارت الجمعية العامة ومجلس الأمن على الأقل من الجهة النظرية.
وتشكل موافقة سكرتارية الأمم المتحدة، أي مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على عقد المؤتمر في قاعاتها وتضمنه على مقارنات في غاية الإشكالية، بما فيها ادعاءات أن حركة المقاطعة ومؤسسيها معادون للسامية، أمرا في غاية الخطورة. وحاول المؤتمر التركيز على كيفية محاربة المقاطعة وتجنيد الطلاب الجامعيين المناصرين لدولة الاحتلال. ويأتي هذا المؤتمر ضمن خطوات تصعيدية ومكثفة تشهدها الولايات المتحدة من قبل المنظمات الصهيونية والأميركية الداعمة للاحتلال في ظل تنامي الحركات الطلابية في الجامعات الأميركية المناهضة للاحتلال والمطالبة بمقاطعة مؤسساته.
ومن الضروري رؤية هذه المؤتمر ضمن حملة شرسة للمنظمات الصهيونية من أجل تخويف كل من يحاول أن يظهر دعما للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة. بما فيها حركات "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" وهي حركات طلابية جامعية تحاول تنظيم الفعاليات المختلفة في الجامعات الأميركية من أجل التوعية حول القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين. كما صوتت العديد من الجمعيات الأكاديمية الأميركية في دعم لحركة المقاطعة من أبرزها تصويت أعضاء المؤتمر السنوي لـ "جمعية علوم الإنسان الأميركية" (AAA) بشكل أولي على قرار يؤيد المقاطعة الأكاديمية والفنية والاقتصادية للمؤسسات الرسمية الإسرائيلية. كما نشرت إحدى المنظمات الصهيونية اليمينية قائمة "سوداء" بأسماء أكثر من 200 استاذ جامعي يدرسون بالجامعات الأميركية وكانوا قد وقعوا على عريضة، خلال العدوان الأخير على غزة، لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية بسبب علاقتها الوطيدة بالجيش الإسرائيلي. وطالب معدّو تلك القائمة بمقاطعة حصص هؤلاء الأساتذة ونشر أسمائهم وأسماء جامعاتهم. إلى ذلك سحب تعيين البروفسور الأردني ستيفن سلايطة من جامعة "إلينوي" بسبب تغريداته، خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث رأت الإدارة أنها "خرجت عن الحد المقبول لحرية الرأي والتعبير". وكان متبروعون لدار أوبرا المتروبولتان في نيويورك قد هددوا بسحب دعمهم لتلك الدار بسبب عرضها، بداية العام الماضي، لأوبرا "موت كيلنغ هوفر" والتي تناولت قضية خطف باخرة "أكليلي لاورو" الإيطالية عام 1985 من قبل فدائيين فلسطينيين. واضطر القائمون على الأوبرا إلى تغيير بعض المشاهد نزولا عند رغبة بعض المانحين الذين رأوا أن الأوبرا تعطي صوتاً "للإرهابيين الفلسطينيين". كما أصدر الكونغرس الأميركي العام الماضي قانونا يحارب مقاطعة إسرائيل ويطالب بتقرير دوري مفصل حول المؤسسات الرسمية والاقتصادية التي تقوم بذلك خارج الولايات المتحدة.
في هذا السياق يجب رؤية هذا المؤتمر الذي حاول "شرعنة" ادعاءاته عن طريق تقديمها على منصة الأمم المتحدة حتى لو كان الأمر ليس برعايتها. وكانت ردود الفعل على هذا المؤتمر شبه صمت فعلي على المستوى الدبلوماسي العربي والفلسطيني على الرغم من الاعتراضات التي سجلتها سفارات عدة وعلى رأسها السفارة الفلسطينية في هذا السياق لكن لا يبدو أن هناك نية فعلية من قبل أي من هذه السفارات للأمم المتحدة من أجل تنظيم مؤتمر داخل الأمم المتحدة يدعم حركة المقاطعة أو يناقش الإمكانيات والسبل دعمها، على الأقل حتى اللحظة.