هاني شاكر يبكي حلب... على مذهب بشار الأسد

02 يونيو 2016
هاني شاكر يغني لحلب (فيسبوك)
+ الخط -
"متقولش مين السبب أو مين بيظلم". هذا هو ملخص الرسالة المقصودة من أغنية "رمضان كريم يا حلب" التي أطلقها قبل أيام نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، والتي تتماهى تماما مع ما يروّجه النظام المصري عن الأوضاع في سورية، تبريرا لتضامنه الصريح مع نظام بشار الأسد.

تطلب الأغنية من الجمهور أن يتجاهل المجرم ويركز على الجريمة، أن يبكي الضحايا ولا يهاجم القاتل، أن يحزن على ما آلت إليه سورية، ولا يلعن المسؤول عما يجري من قتل ودمار وحصار.

رسالة بائسة مكررة لم تعد تنطلي إلا على أنصار الأنظمة القمعية المشابهة لنظام بشار الأسد في سورية وعبد الفتاح السيسي في مصر، وربما تحظى ببعض القبول في العالم العربي الذي عاش خلال السنوات الخمس الماضية تحولات كبيرة، حتى إن كثيرا من العرب بات يلعن الربيع العربي، وكأن الربيع هو المسؤول عن المذابح والدمار، وليس الحكام المستبدين.

لكن الرسالة المستمدة من أكاذيب المستبدين غُلفت هذه المرة بإطار فني استغل المشاهد المأساوية التي عاشها المدنيون من نساء وأطفال وكهول؛ في حلب وغيرها من المدن والبلدات السورية، وكلمات تدس السم في العسل على طريقة "لا تقربوا الصلاة"، ولحن درامي الطابع تتصاعد نغماته أحيانا وتخبو في أحيان أخرى، مع صوت المطرب المعروف في مصر إعلاميا باسم "أمير الغناء العربي"، وشعبيا باسم "النحنوح".

تبدو الصورة في سورية قاتمة، لكن النظر إليها من دون تحديد المسؤول عنها، كما تطالبنا الأغنية، يبدو ضربا من الجنون، أو بالأحرى جريمة تواطؤ مكتملة الأركان، وهذا ما فعله هاني شاكر في أغنيته التي صدرت بمناسبة حلول شهر رمضان، رغم أنها تبدأ بنص من نشرة أخبار يعود إلى شهر رمضان الماضي، ويثبت أن ما جرى في حلب خلال مايو/أيار الماضي ليس جديدا، وإن كان أكثر إجراما.

وتماهيا مع الرسالة المقصود نشرها من خلال الأغنية، لا تظهر في أي من اللقطات المستخدمة طائرات النظام وهي تقصف المدنيين، ولا قصف الطائرات الروسية الداعمة للنظام. حتى في المشهد الذي تظهر فيه آثار انفجار قذيفة على الأرض، تظهر وكأنها موجهة إلى إحدى أليات جيش النظام، كما أن مدفع الهاون الذي يظهر يقصف في الأغنية، يبدو محلي الصنع، فيما يشير إلى أنه تابع للمعارضة وليس النظام، وكأن النظام هو الضحية وليس المجرم، كما يشهد العالم ليل نهار.

يحاول شاكر أن يظهر التأثر، ويبدو الحزن واضحاً على ملامحه في اللقطات القليلة القصيرة التي يظهر فيها خلال الأغنية، لكن ذلك غير كاف لتمرير المعاني المقصودة في العمل الفني الذي استغل كثيرا من اللقطات المتداولة من دون أن يمنح أصحابها حقوقهم الفكرية، ماديا أو معنويا.

وبشيء من التركيز، نجد أن كلمات الأغنية مرتبكة مثلما هو حال صُناعها الذين يسعون بها، على الأغلب، لاستدرار عطف قائم بالأساس، وترويج مطرب لم يعد يحظى بالاهتمام الكافي، خاصة بعد أن بات نقيبا وأثيرت حوله مشكلات ذات طابع سياسي، آخرها منع مطربين من الغناء.

تقول الأغنية "سورية اللي كان مجدها. بيبني ويعلى. بتضيع وضاع مجدها. طب مين هيسلم"، والمجد حسب مؤلف الكلمات هو الذي يبني، بينما الواقع أن المجد يبنى بسواعد أهل البلاد وأفكارهم وعلومهم، ويقول إن سورية "تضيع"، مقررا أنها "ضاع مجدها"، وهو معنى مرتبك، حيث إن المجد ليس مرتبطا بالكلية ببقاء الدول، وكم من دول عظيمة اختفت وبقي مجدها، وكم من دول قائمة ولا مجد لها.

كما تناقض كلمات الأغنية ما يحاول صناعها تصديره للجمهور من تعاطف مع المنكوبين في سورية، وفي حلب على وجه الخصوص، فبينما تذكّر الكلمات بالحصار والجوع والفقر المتفشي "لو عالسحور فى الطل إنوي الصيام. أو عالفطور منين هناكل أو بكام"، لا تلمح حتى إلى المطالبة بفك الحصار، أو تدعو إلى إمداد السوريين بالمساعدات، وتكتفي بالتحسر على حالهم كأنهم يعيشون آثار كارثة طبيعية، وليس في أتون حرب ممنهجة. "إن قدرت في يوم تميز مدفع الفطار. حتشوف مسلسل هدم حواليك الدمار. وإن جيه عليك المغرب وسمعت الآذان. اجري استخبى في جلدك يلي مالكش دار".

وربما يتعلل البعض بأن الأغنية ليست منشورا سياسيا، أو أن الفنان ليس مطلوبا منه أن يتبنى وجهة نظر سياسية في العمل الفني، وهو تعليل مردود؛ لأن صناع الأغنية معروف عنهم الانحياز السياسي، والأغنية تتخذ موقفا يحاول تجهيل المجرم والنحيب على الجريمة، وهو موقف سياسي أيضا، وإن كان مخزيا.

كما أن الحديث عن حياد الفن، بات أمراً ممجوجاً، إذ إن وظيفة الفن بالأساس بعد المتعة، بث رسائل إنسانية ومجتمعية تقاوم الظلم وتدعو إلى العدل والتحرر، وليس الانحياز وقتما يشاء الفنان، وادعاء الحياد وقتما يشاء.

 

المساهمون