عن رضيع ربيع كحيل الذي يشبهنا... نحن أيتام الوجع

29 يوليو 2015
الصور من فيسبوك
+ الخط -
لا أفكّر إلا في ابنه. الطفل الرضيع الذي لم يكمل شهره الأوّل. كانت زوجته ضياء تترك المستشفى لتذهب إلى البيت وترضعه حليب القهر والفقد، وتعود إلى مستشفى السان جورج، حيث نزف عشرات الليترات من الدم، وصارع الموت ثلاثة أيّام، وخسر قدماً أو اثنتين، قبل أن يسلم الروح.

لا أفكّر إلا في ابنه، الذي لم يستطع رؤيته. في أيّامه الأولى لا يرى الرضيع جيّداً. وفي أيّامه اللاحقة سيرى الجميع إلا أبيه. حين يكبر سيرى صوراً كثيرة، وسيسمع حكايات أكثر، لكنّه لن يعرف ماذا تعني كلمة "أب". لن ينده "بابا" لأحد. لن يحتضنه الرجل الذي ساهم في مجيئه إلى هذا الكوكب النتن، وإلى هذه البلاد الرخيصة. 


ربيع كحيل، المقدّم المغوار، الأب والزوج، وقبل ذلك العسكريّ الذي من مهمّاته الدفاع عن لبنان، في وجه الأعداء والإرهابيين، من نهر البارد إلى حماية الحدود في عرسال، هذا الرجل لم يستطع أحد حمايته.

يكفي أنّ اثنين من "الزعران" قرّرا أن يطلقا النار عليه بين بلدتي بدادون والقماطية في جبل لبنان، أيّا كان السبب، فلم تشفع له بدلته العسكرية ولا تاريخه في الجيش، ولن يشفع له شيء.

قُتِلَ ربيع تماماً كما قُتِلَ جورج الريف، في الشارع، على يد "أزعر" يحمل سلاحاً، ولا يخشى سلطة أو قانوناً. قُتِلَ بدم بارد وترك ينزف، نصف ساعة قبل ثلاثة أيّام، منتصف الليل، قبل نقله إلى المستشفى. 

في الشارع، من لم يمت بسكّين جورج الريف مات بسلاح الشاب من آل ضوّ، الذي قيل إنّه تاجر حديد معروف وبات حالياً خارج لبنان، وإنّه قريب من زعيم مذهبيّ شرق بيروت.



في الشارع، من لم يمت بالنفايات مات بالرصاص الطائش، ومن لم يمت اختناقاً بحريق مات قهراً على باب مستشفى، ومن لم يمت بتفجير انتحاريّ مات بتسمّم من مأكولات غير مطابقة للمواصفات البشرية.

اقرأ أيضاً: قصة أصغر قاتلَين في تاريخ أميركا...سيفرج عن أحدهما اليوم

في الشارع نُقتَل، لا فرق إن كنّا عزّلاً بلا أسلحة ولا عصابة ولا زعيم مذهبيّ يحمينا، أو كنّا مسنودين إلى مؤسسة عسكرية أو بحماية الجيش أو قوى الأمن. نُقتَل لأنّ القوانين لا تخيف أحداً، ولأنّ من يشعر بالحماية يمكن أن يقتلنا بلا وازع ولا رادع، لا أخلاقي ولا إنساني ولا قانوني ولا اجتماعي.

لا أفكّر إلا في ابن ربيع كحيل، الطفل الذي لن تستطيع والدته إرضاعه لشدّة قهرها. لن يرضع حليب الهوان والذلّ. لن يعرف ضحكة والده ولن يحبو أمام ناظريه ولن يتعلّم منه الغضب والابتسام والكلمات. لن يرى والده إلا في صور غريبة، سيكرهها لاحقاً، وسيكره البلاد التي ولد فيها، وكيف أنّ والده أعطى لبنان سنوات شبابه فأعطته هذه البلاد موتاً لا يليق به.

لا أفكّر إلا في هذا الطفل الذي يشبهنا ونشبهه. نحن الأيتام الذين لا آباء ولا قادة ولا زعماء ننظر إليهم بفخر ونتمنّى أن نصير مثلهم. آباؤنا مكسورون مثل جورج الريف وربيع كحيل. في أيّ لحظة قد يُهانون ويُقتلون أمام عيوننا.

لا أفكّر إلا في هذا الطفل، كيف أنّه سيكبر ليبحث عن أب وعن وطن وعن بلاد لا تقتله إذا صار أباً، ولا تهينه أمام الكاميرات، ولا تجعله صورة على حائط فيسبوكي.

لا أفكّر إلا في هذا الطفل، وفي طفلي.

اقرأ أيضاً: القتل لـ"أفضلية المرور": إلى الجنّة إلى السلطة إلى القدس...

المساهمون