شقائق النعمان.. بين أسطورة أدونيس وملك المناذرة

24 يوليو 2015
لشقائق النعمان مدلولات كثيرة تغنى بها الرواة والشعراء
+ الخط -
شقائق النعمان نبات بري حولي ذو لون أحمر قانئ وساق رفيعة هشة، وله حضور كبير في الموروث الأدبي العربي، كما يمتلك فوائد طبية جمة.

يعرف هذا النبات علمياً بالشقار الإكليلي، ويسمى في بعض البلدان الحنون أو الدحنون أو زهر النساء، وفي بعض المراجع يسمى الخشخاش، تتعدد ألوان الزهرة مثل الأبيض والأرجواني والأصفر، ولكن اللون الأشهر هو الأحمر الذي يرسم الكثير من الروايات حول هذه النبتة، ويتشابه معها في الاسم نوع حيواني هو شقائق النعمان البحرية؛ وهي لافقارية حجمها يتراوح بين 5.2 إلى 10 سنتيمترات، اكتشفت عام 1881.

تنبت هذه الزهرة في فصل الربيع وتعد أوروبا وشمال أفريقيا والمناطق المعتدلة في آسيا الموطن الأصلي لها، تنتشر في بلاد الشام، وتنمو في البيئات شبه الرطبة، اسمها باليونانية anemones ويعني زهرة الرياح.

سميت شقائق النعمان (مفردها شقيقة) بالجمع لأنه لا توجد زهرة وحدها، بل تنتشر في جماعة، تكاثرها يكون عن طريق البذور وتستعمل للزينة وفي أغراض علاجية كثيرة، ومن أهم فوائدها أنها مهدئة للأعصاب ومسكنة للآلام، وتستخدم في علاج الأرق والسعال والربو، ولتقوية البصر وإطالة الشعر، وغير ذلك من المنافع.

اقرأ أيضاً: سوق الورد المغربي

ولقد سجلت شقائق النعمان نبتةً لها مكانة خاصة وجذور تاريخية في بلاد الشام؛ فالفلسطينيون يعدونها زهرتهم التي ترمز لشهدائهم؛ ومن هذا المنطلق عدها الكيان الصهيوني زهرة إسرائيل الوطنية، ليكمل مشروع سيطرته على كل ما يتعلق بأرضنا وتراثنا، واهتم بها اهتماماً كبيراً حتى غدا الاحتلال يصدر 60 مليون زهرة منها سنوياً، ولأن لونها لون الدم فهي ترمز إلى الحروب وموتاها؛ إذ أقامت بريطانيا معرضاً منها يشمل قرابة مليون زهرة من السيراميك قرب برج لندن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمناسبة مرور مائة عام على بداية الحرب العالمية الأولى؛ تكريماً لقتلاها الذين سقطوا في تلك الحرب، وتحتل حيزاً متميزاً لدى الحلفاء فاستخدمت رمزاً لانتهاء الحرب؛ لأنها نبتت في الأماكن التي كانت ساحات قتال.

تنسب هذه الزهرة ذات النقط السود في وسطها إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة؛ لأنها نبتت على قبره بعدما قتله كسرى ملك الفرس دهساً تحت أقدام الفيلة؛ بعد غضبه عليه، فكان ذلك الشرارة التي أشعلت معركة ذي قار، وورد في لسان العرب أنها أضيفت إليه لأنه حمى أرضاً فكثر فيها أو لأنه نزل على شقائق رمل قد أنبتت الشقر الأحمر، فاستحسنها وأمر أن تُحمى فنسبت إليه، ويقال إنه استحسنها فزرعها حول قصره الخورنق، وروي أن النعمان اسم الدم فشبه لون الشقائق بحمرته.

كما وترتبط زهرة شقائق النعمان بأسطورة أدونيس (تموز في البابلية) وعشتار (عند البابليين، وعند اليونان أفروديت وعند الرومان فينوس) ارتباطاً وثيقاً؛ لأنها نبتت من دمه وأخذت لونها منه، فتلك الأسطورة تحكي أن قصة حب نشأت بين أدونيس وعشتار التي أخذت تسدي النصائح له بألا يأمن الحيوانات التي تعترضه، وخصوصاً التي زودتها الطبيعة بقوة خارقة، لكن شجاعة أدونيس ما كانت لتوقفها تحذيرات حبيبته؛ إذ رأى خنزيراً برياً فطعنه برمحه، لكنه نزع الرمح الدامي، وركض خلف أدونيس الذي فر مذعوراً باحثاً عن ملجأ إلى أن ظفر به الخنزير، فعضه في فخذه عضة دوّت معها صيحات أدونيس في الأجواء، فوصلت أنّاته إلى عشتار التي عادت إليه مسرعة، ثم رأته مضرجاً بدمائه، وراحت تلوم الأقدار، قائلة: سوف يبقى أدونيس ذكرى حزن بالغ للأبد، وسوف يُمثَّل كل عام مشهد موتك يذكّر بما كان فيه من نواحي عليك، ولتنبثقن زهرة من دمائك. فصبت على دمه رحيق زهرة جميلة، لم يكد يمس دمه حتى أخذ يغلي ويفور، وتصاعدت منه فقاعات صافية، وبعد ساعات ظهرت زهرة بلون الدم، هي زهرة شقائق النعمان، لكنها رقيقة واهية الساق تعصف بها الرياح لا تدوم متعتها إلا مدة محدودة، ومن هذه الأسطورة نستدل على معنى التسمية، فأصل كلمة النعمان هي "النحمان"؛ وتعني القائم من الموت، والإبدال من الحاء إلى العين شائع في اللغة العربية، وفي السريانية "نحم" بمعنى بُعث، حيا.

لشقائق النعمان مدلولات كثيرة ورموز غنية تغنى بها الرواة في قصصهم وأنشدها الشعراء في أشعارهم؛ إذ تعد متجذرة في التراث العربي وقصصه الشعبية، ورؤيتها في المنام تحمل معاني مختلفة بحسب الطريقة التي تُشاهد فيها؛ فتعني المشقة إذا كانت مقطوعة ومنثورة على الأرض، وإن كانت على ساقها فهي خير ومنفعة. وترمز إلى الشوق والانتظار عندما تُقدم للمهدى إليه.

اقرأ أيضاً: تقطير الزهر في احتفالية قسنطينة عاصمة للثقافة العربية
المساهمون