العم مصطفى: بين كعك العيد... والحبّ

17 يوليو 2015
كعك العيد بكميات كبيرة في الفرن (فرانس برس)
+ الخط -
عم مصطفى هو صاحب الفرن الوحيد في الحي، ورغم أنه يعاني من الكساد طول العام بسبب طغيان المخابز الآلية إلا أن عمله لا يتوقف خلال شهر رمضان، ولذلك فقد اختار مهنة أخرى تدر عليه دخلاً حيث يعمل عتالاً. واقتنى حماراً وعربة وأصبح معروفاً بين الناس بأنه ينقل الأمتعة والمشتريات لهم. ولكنه احتفظ باسمه الأصلي: "عم مصطفى الفران" واستغل الفرن لينام فيه الحمار ليلاً ويضع في إحدى زواياه العربة الخشبية حتى ينبلج الصباح.

حين يأتي رمضان يعود لعم مصطفى مجده الغابر وتبدأ الصواني تتوافد على الفرن البلدي الذي ورثه أباً عن جد، فالنساء يحببن إعداد بعض الأكلات في الفرن مثل طاجن السمك في الفخارة، وطاجن الرز المعمر بالفخارة أيضاً أي استخدام الأوعية الفخارية لإنضاج هذه الأكلات وتحمير وجهها بطريقة تفتح شهية الصائم، وتزيّن مائدة الإفطار.
بعد نصف رمضان يبدأ عم مصطفى في استقبال صواني الكعك والمعمول الذي تعده النساء في بيوتهن استعداداً للعيد ويأتين فرادى أو مع أطفالهن أو مع جاراتهن وهن يحملن الصواني المستديرة الواسعة فوق رؤوسهن ويضعن حملهن أمامه. وكثيراً ما تستعير منه النساء صواني الفرن الخاصة به وهي عبارة عما يعرف بالعامية بـ"الفرش" أي الأوعية المعدنية المربعة المنخفضة الأطراف حيث ترص بها النساء الكعك ويحمله أطفالهن باتجاه الفرن مع توصياتهن بعدم التلكؤ والنظر جيداً صوب الطريق لكي لا يقع "الفرش" من فوق الرؤوس ويضيع المجهود ويخسرن التكلفة، فهن يرصدن ميزانية خاصة للكعك والمعمول يحسبن لها حساباً كل عام.

اقرأ أيضاً: كسوة العيد: سوق يؤمّن ملابس لفقراء غزّة مجاناً



عم مصطفى الفران لمحت عيناه ذات ليلة رمضانية سيدة جميلة تمشي في دلال وقد وضعت زينة خفية بسبب حرمة الشهر الفضيل ولكن زينتها لم تخف عليه لأنها أجادت رسم حاجبيها وكحلت عينيها بكحل عربي لعب بأوتار قلبه وتجاذب معها أطراف الحديث وامتد بينهما حبل من المودة حتى انتهى الشهر الكريم وأصبحت هذه الجميلة زوجته الثانية فاستشاطت زوجته الأولى غضباً لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً ورضيت بالأمر الواقع وأفسحت لها غرفة في البيت الضيق وعاشتا عاماً سوياً حتى موعد رمضان التالي وعلاقتهما تسوء وتتحسن مثل المد والجزر.

مع حلول رمضان التالي وصلت الأخبار للزوجة الأولى بأن جميلة جديدة من حارة مجاورة قد عرفت طريق الفرن وتزور زوجها كل يوم ليحمر لها طاجن السمك مرة وطاجن البطاطس باللحم مرة أخرى، فطارت بهذا الخبر لزوجته الثانية وتحركت ذبذبات الغيرة والخطر والغضب داخلهما وقررتا مراقبة عم مصطفى وتوحيد جهودهما حتى تأكدتا من الأمر.
توصلت الزوجتان لخطة نفذتاها سريعاً، فقد سكبت إحداهما وعاء السمن على مدخل الفرن في صباح أحد الأيام وحين استيقظ الزوج ودلف من بابه الداخلي وبدأ تنظيفه وفتح بابه المطل على الشارع تزحلقت قدمه بالسمن المسكوب وكسر ساقه.
فرحت الزوجتان ببقاء العم مصطفى حبيس البيت طيلة شهر رمضان وابتهجتا بمرأى ساقه وهي ملفوفة بالجبس ولكي تقللا من إحساسهما بالذنب فقد تولتا إدارة الفرن وأصبحتا تضعان المال الذي تجنيانه من تحمير الطواجن وخبز الكعك أمامه كل ليلة. ولكنه يبقى صامتاً لأن الجميلة لم تصبح زوجة ثالثة كما كان يخطط، والأدهى أنها لم تجد طريقة للسؤال عنه وتقصي أخبار ساقه المكسورة.
لعلّ العم مصطفى ينتظر شفاء رجله نهائياً ليستعيد نشاطه خلال هذا الشهر فراناً صاحب سمعة ذائعة الصيت في الحيّ، وعاشقاً من الدرجة الأولى. فيما تبقى رحلة البحث عن زوجة ثالثة ثمّ زوجة رابعة خياراً مفتوحاً أمام "مصطفى الفران"، فكما تقول الأغنية الشهيرة: "القلب يعشق كل جميل"، وقلب العم مصطفى حاله من الأغنية، جاهز دائماً "لكل جميل".
دلالات
المساهمون