حديقة جنان: مأوى القطط المشرّدة

24 مايو 2015
(حسين بيضون)
+ الخط -
سريعاً تقفز القطط من مختلف أرجاء الحديقة إلى جنان، التي أنهت دوام الجامعة وعادت إلى منزلها في منطقة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية. لا شيء في المنطقة المكتظة بالسكان والمزدحمة بالمباني يوحي أنها يمكن أن تضم خلف الأشجار المزهرة داراً واسعة مؤلفة من عدة مبان، تحيط بها الحدائق. لكن الأشجار نفسها تقودك إلى الحديقة الأولى عند مدخل الدار، التي تنتشر في أرجائها أقفاص بلاستيكية لقطط جنان الست عشرة.
يستغرق اجتماع القطط مختلفة الألوان والأنواع دقائق عدة، ويعلو صوت موائها وكأنها تدعو بعضها لاستقبال سيدة الحديقة. لا تكاد جنان تضع شنطتها أرضاً حتى تجد "عنبر" ماثلاً أمامها. تلمع عيناه العنبريتان عندما يلمحها، ولا يهدأ إلا بعد أن تحمله ويكادا يسقطان معاً. يبلغ عنبر الخمسة أعوام، ويزيد وزنه عن التسعة كيلوغرامات، فحاز منصب الملك في مملكة القطط هذه. يتمتع عنبر بالحرية المطلقة في التنقل بين المنزل والحدائق، وذلك لأنه أليف ويستمتع بمداعبة أطفال العائلة له دون تذمر ودون أن يقلق الأهل من تذوق أبنائهم لطعم عضته أو مخالبه الكبيرة. وإلى جانبه تقيم خمس عشرة قطة أخرى، بعضها تربيها جنان والبعض الآخر وجد في الحديقة ملجأً من مخاطر الشوارع المحيطة، كـ"شوشو" الذي طُرد من المبنى المهجور الذي كان يقيم فيه بسبب إطلاق ورشة بناء، فوجد نفسه في الحديقة وسط ترحيب متفاوت من القطط صاحبة الأقدمية في الإقامة.
تحوم القطط حول جنان مرة وحول شنطتها مرات عدة، وتتراقص أذنابها عندما تُخرج الصبية علب الطعام من الشنطة. إلا قطة واحدة تبدو مستعدة لتناول وجبتها المسائية دون أن يرقص ذنبها. إنها "سيسي" التي سقطت عن الطابق السادس من منزل عائلة كانت تهتم بها، ففقدت ساقاً وذيلاً وباتت تعاني من التبوّل اللا إرادي، لكنها وجدت طريقها إلى "المملكة" بعد أن أبلغ طبيب بيطري الأسرة أن جنان تهتم بالقطط ذات الاحتياجات الخاصة. لدى الطالبة الجامعية ست قطط منها، ثلاث في الحديقة وثلاث أٌخرى في منزل صديقها في بيروت. تعاني القطط من إصابات متنوعة بين فقدان البصر، الفطريات، فقدان ساق أو أكثر، وضعف النظر. تتميز "سيسي" بحذاء صغير وضعته جنان في ساقها المصابة "لوقف التهاب الجلد الذي يسببه احتكاك الساق بالأرض بشكل دائم". تعرج "سيسي" بسبب الإصابة والحذاء، وتحاول عبثاً فرك رقبتها بساقها، فترحب بأي متطوع ولو كان غريباً لتقديم هذه الخدمة لها. تحاول الركض سريعاً بعد شعورها بالارتياح، لكن خطواتها غير السوية تثير ضحك كل من يشاهدها وهي تبتعد باتجاه الأشجار حيث تحس بالأمان.
تنتقل جنان للحديث عن "الجربانة"، التي نزحت إلى داخل الحديقة بعد أن عاشت لفترة طويلة أمام محل لبيع الدجاج في المنطقة. وقد أصيبت بمرض جلدي التقطته من الشارع، فتعطيها جنان نصف جرعة من كبسولة دواء تفتحها وتضعها في فم القطة، قبل أن تدهن رقبتها بمرهم طبي. تعترف جنان بأن الاهتمام بالقطط يستهلك "حوالي 80 بالمئة من مصروفي، لكنني ببساطة أحب هذه القطط". ويعاونها في ذلك طبيب بيطري من خلال إعطاء النصائح الطبية "وإجراء العمليات الجراحية اللازمة للقطط بسعر الكلفة. كما يساعدني الطبيب في إيجاد عائلات مستعدة لتبنّي القطط التي تنهي علاجها في الحديقة إفساحاً في المجال أمام استقبال المزيد من القطط المصابة".
يقاطع صوت النباح حديث جنان لتظهر كلبة صيد صغيرة من بعيد. تتسارع خطوات الكلبة لاستقبال جنان التي وجدت الكلبة داخل الحديقة وعلى رقبتها آثار ربطها بالحبال "بطريقة مؤذية من قبل عدد من الأطفال في الشوارع المجاورة". انضمت الكلبة إلى ثلاثة كلاب أخرى تربيها عائلة سليم، اثنان لجآ إلى الحديقة هرباً من الاعتداءات التي طالتها في شوارع الضاحية، وكلب العائلة الأبيض "الذي يغار من الاهتمام الذي نبديه تجاه الحيوانات المتبناة". تتجلى هذه الغيرة من خلال رفض الكلب مشاركة الماء أو الطعام مع الكلاب المتبناة، أما الكلبة الثانية فتمنع جنان من اللعب مع الكلبين المتبنيين، وترمي نفسها بين جنان والكلاب كلما تسنح لها الفرصة.
تترك الفتاة الكلاب وتعود للبحث عن "جميلة" أو "صباح" التي تعاني من مشاكل في المشي فتجلس وحيدة في قفص بعيد عن باقي القطط "لأنها لم تعتد على العيش ضمن منزل بعد، ولا زالت شرسة ككثير من قطط الشارع". تترك جنان القطط لتنهي أكلها وتنتقل إلى القسم الآخر من الحديقة لتطعم "جميلة"، فيرافقها "دبقة" الذي يدل اسمه عليه، فهو لا يفارق جنان منذ دخولها إلى الحديقة إلى أن تدخل المنزل. يمنع والد جنان دخول معظم القطط إلى الداخل، ما عدا عنبر وقطة أخرى من فصيلة أجنبية "لأنهما لا يخربان الأثاث". أما القطط الباقية فلها ملء الحرية في التنقل بين الحدائق.
أما القطط الثلاث التي نقلتها جنان إلى منزل صديقها "فتحتاج لرعاية خاصة ولا يمكن أن تترك في الحديقة، واحدة عمياء، والثانية تعاني من ضعف شديد في النظر، والثالثة قطة منزلية فقدت ساقاً".




في منزل صديقها الذي يتشاركه مع عدة أشخاص، يطلق كل فرد من أفراد المنزل اسماً ما على القطط التي تبدو حائرة في الرد على الأسماء المتعددة التي تُنادى بها. تستجيب القطة العمياء بسرعة لصوت جنان، وهنا تنادي عليها لتتشاركا معاً وجبة الغذاء "مقلوبة الدجاج". تألف القطة المنزل وتتنقل بين أثاثه بسرعة رغم العوائق الكثيرة، ولا يمنعها من الوصول إلى الكنبة سوى لعب "شمشوم"، القطة التي فقدت يدها معها.



أما في الحديقة فتدل أسماء القطط عليها. يتميز "شارلي" باللونين الأبيض والأسود، ويشبه الممثل الشهير "شارلي شابلن"، ويحمل شنبه. أما نعنع فتدل عيونه الخضراء عليه. "جمعة" استحق لقبه بعد تعرضه لسلسلة حوادث بشكل أسبوعي "فضاع مرة، وتعرض للدغة أفعى مرة أخرى، كما سقط من أحد الطوابق في جمعة (أسبوع) أخرى، فاستحق اسمه بجدارة"، تقول جنان. قطة وحيد فقط تحمل اسماً أجنبياً "grezzy" لأنها تعاني من زيادة الوزن.

دلالات
المساهمون