الهواية والروتين: الكتابة والقراءة غير محسوبتيْن

29 مارس 2015
الهواية تبعدنا عن الروتين (Getty)
+ الخط -
تعتمد الهواية التي يزاولها الفرد على توافر مجموعة من القدرات المتداخلة لديه، مثل: القدرات الفكرية والمهارات الحسية الحركية والميول الفنية. الهوايات تعتبر متنفساً للشخص بعيداً عن العمل فتمنحه القليل من السعادة، بعيداً عن اليوميات المكتبيّة.

تتعدد الهوايات، بعضها مكلفٌ وبعضها تسهل ممارسته دون تكاليف إضافية، ومنها: القراءة، والكتابة، والرسم، والطهو، والرياضة... هي وسيلة لقضاء بعض الوقت الذي قد نهمله وننساه. تعتبر الهواية وسيلة لكسر روتين الحياة؛ ما يحفّزنا على التفكير بطريقة أسلس فنشعر بالانتعاش ونبتعد عن ضغوط الحياة.

الأقرب لنا اليوم هو معضلة هوايات الصحافيين، وهنا نسأل: هل للصحافي هواية؟ هل تتداخل هوايته مع عمله؟ ومتى يتحوّل العمل إلى هواية؟ من البديهيّات أن يكون ردّ الصحافي معروفاً حينما يُسأل عن هوايته المفضلة منحصراً بكلمتيْن: القراءة والكتابة. يقولها الصحافيّ بكل ثقةٍ علماً بأن القراءة والكتابة وأحياناً التصوير جزءٌ لا يتجزّأ من المهنة، والمهنة تختلف عن الهواية، فالهدف من الأخيرة الهروب من متاعب وضغوطات المهنة.

في زمن العمل الصحافي والاستقصائي وتغطية الحروب، تمّ بطريقةٍ ما وعبر السنوات الماضية فرض صورة نمطية عن هوايات الصحافيين والعاملين والعاملات في مجال الإعلام: القراءة والكتابة. كيف لا؟ وهما أمران يمارسهما الصحافي يومياً فيترسّخان بداخله ويصبحان أكثر من مجرّد مهنة.

تتنوّع ردود الصحافيين، فمراسلة الحرب الإسبانية مايتي كوراسكو التي تنقّلت بين بلدان الربيع العربي من مصر مروراً بسورية خلال السنوات الثلاث الأخيرة تقول: "للأسف الشديد أنا لا أملك هوايات اليوم، خاصةً وأنا أعمل وأراسل عدة شبكات إخبارية. العمل يتطلّب مني السفر الدائم والكثير من الجهد النفسي والاقتصادي أيضاً، فأنا مراسلة مستقلة لا أملك دخلاً ثابتاً أو استقراراً دائماً، ومعظم الأوقات الميزانية لا تسمح".

جنان موسى، مراسلة تلفزيون "الآن" التي تنقّلت خلال عملها بين بلدان الربيع العربي وغطت الثورات والحروب بشكلٍ واسع وتنقلت على الخطوط الأمامية للمعارك، رأيٌ مغاير، وتقول:" أنا بحاجة للانفصال عن أجواء العمل عندما أكون بفترة عطلة ونقاهة. الهوايات تساعدني على الاسترخاء، أحب ركوب الخيل مثلاً، بالإضافة إلى التزلج والقراءة والرقص. هي نشاطات تلهيني وتسعدني". وتضيف: "علينا أن نفصل بين العمل ووقت الراحة. كمراسلة حرب أنا أشهد وأرى أموراً فظيعة وقاسية في الميدان".

إلا أن المهمات تختلف بين المراسل الحربي والنشطاء الاعلاميين الذين يغطون الحروب، وبين الصحافي الذي تتطلب مهنته أن يتابع الأخبار من مكتبه لا أكثر، بالإضافة لكتابة المقالات التحليلية أو القيام بمقابلات تلفزيونية، باستطاعة بعض الصحافيين ممارسة هواية عادية بعد انتهائهم من الدوام، أمّا مراسلوا الحرب والنشطاء، فظروف حياتهم وطبيعة تنقلهم من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى تمنع التزامهم بروتين طبيعي يتمثّل بإيجاد هواية وممارستها بأوقات الفراغ التي نادراً ما يقضونها بالراحة بعيداً عن القيام بأي حركة أو مجهود.


تقول الأخصائية في علم النفس آية مهنا لـ"العربي الجديد": "على الرغم من الإيجابيات التي تحملها ممارسة هواية ما، للأسف غالباً ما يلجأ العديد من هؤلاء لسبل أخرى للنسيان بدل الانفتاح والتكلم ومناقشة ما شهدوه في الحروب من موت ودمار، يلجأون لطرق نسيان بديلة قد تحولهم لمدمنين". وتضيف مهنا: "تتطلب هذه التفاصيل من مراسلي الحرب أخذ وقت مستقطع للراحة بين المهام، وهو ما يحاول أن يحققه معظمهم من خلال إيجاد وقت لهواية ما أو على الأقل قضاء بعض الوقت مع عائلاتهم في محاولةٍ للعودة لروتين حياة شبه طبيعي".

هذا ما تحاول جنان موسى تحقيقه.. بعكس واقع النشطاء الاعلاميين مثلاً، هم يقضون ساعات بمتابعنة الاخبار والتبليغ عنها وغالباً ما يعملون على عدة مهمات بوقتٍ واحد ما يجعل من الاسترخاء الطبيعي أمراً شبه مستحيل بالنسبة لهم. بعضنا لجأ لهوايات من نوعٍ آخر، كالتمثيل الارتجاليّ مثلاً. هو أمرٌ يبعدنا عن الاختباء في قوقعتنا الصغيرة ويحثنا على الابتعاد عن الروتين.

هوايةٌ جديدة وأُخرى قديمة
في بيروت، وتحديداً في مسرح المدينة، صف التمثيل الارتجاليّ لا يشبه الواقع بشيء. هناك، نخرج عن عاداتنا وبعضنا لا يستعمل عبارات قد يجرؤ على استخدامها يومياً. تمتد الدورة على مدى 16 ساعة ، تتعرف خلالها على أشخاص من خلفيات علمية واجتماعية ومهنية مختلفة.

قد لا يكون امتهان التمثيل الهدف من الانضمام للصفوف، ولكنها بالتأكيد فرصة لاكتشاف ما إن كانت الموهبة موجودةً أم لا، أمّا المميز بالصفوف فهو أن لا أحد يفشل، فكل مشهد تمثيلي يكون عبارةً عن نجاح متكرر، ذلك لأنك ترتجل موقفاً قد لا يمتّ لواقعك بصِلة، وعندما تنجح بالانفصال التام عن واقعك، تكون امتهنت الارتجال. انفصال تام عن الواقع يحصل تدريجياً خلال 16 ساعة من التدريب قبل العرض النهائي أمام الجمهور، 16 ساعة من الضحك تخفف من وقع الحياة اليومية علينا، صحافيين كنا أم موظفين أم معلّمين.

من ناحيتها، تقول الصحافية حياة أن الرياضة هي الهواية الأكثر انتشاراً اليوم، وهي روتينٌ يومي تلجأ لممارسته معظم الفتيات لما يُتيحه من مساحةٍ تنفّسن بها عن الغضب وتروي لـ" العربي الجديد" : "أنتقل لعالم آخر بعيد عن الأخبار العاجلة والتحرير والسياسة اليومية وحتى العالم العربي خلال ممارستي للرياضة. قد أكون متعبة والرياضة تمنحني طاقة إيجابية لذلك بت أمارسها قبل الذهاب إلى العمل صباحاً".

يهرب معظمنا من الجواب الواقعي والبديهيّ الوحيد: أنا لا أملك هواية. نعوّض عن مواجهة ذلك الفراغ بهوايات هي الأقرب إلى عملنا: أحبّ القراءة والكتابة. ولو أننا نعاني يومياً من كثرة قراءة الاخبار وكتابة التحقيقات، علينا بالابتعاد والفصل قدر المستطاع بين المسؤولية المتمثلة بالعمل، وبين ما يُمكننا اختياره بحرية تامة: الهواية.
المساهمون