اللباس البدوي الصوفي..كساء يقاوم قساوة البرد وينتصر على الموضة

20 ديسمبر 2015
النساء يحكن أثوابهن وفق قوانين الطبيعة (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تبدو المرأة البدوية التقليدية في عمق جبال الأطلس، معنية بالموضة أو صيحاتها الشتوية، من معاطف وقبعات وجوارب، فما يعنيها بالدرجة الأولى حطب تدفئة ولقمة عيش وكساء من صوف تغزله أناملها.

وإذا كان اللباس من أهم المظاهر المادية للحضارة، والمرآة التي تعكس أحوال المجتمع وأوضاعه ومستوى عيشه من جهة، والتي تدل من جهة ثانية على صورته الواقعية من حيث الانعزال أو الانفتاح، والمحافظة أو التجدد والاقتباس، فإن اللباس البدوي المغربي ما زال يحافظ على أهم خصائصه في انسجام تام مع العادات والتقاليد الموغلة في الزمن، مع تغييرات بسيطة تستجيب لطبيعة التحولات المجتمعية.

 

غزل الصوف للاستعمال المنزلي والتجارة

ترتبط صناعة الملابس ارتباطا وثيقا بتوفر المواد الأولية سواء ذات الأصل النباتي أو الحيواني. وشكّل الصوف أهم مادة حيوانية لدى قبائل جبال الأطلس المتوسط، تبعاً لنمط العيش السائد المعتمد على الرعي والترحال، وظلت هذه الصناعة تحتل المرتبة الثانية بعد تربية الماشية خلال مختلف العصور. أما بالنسبة للجلد، فبالرغم من توفره، فقد بقي استعماله محدوداً جداً في صناعة اللباس، وعلى الأخص صنع الأحذية والأفرشة وسروج الخيول.

اعتمدت نسوة هذه القبائل على غزل الصوف في المنازل سواء للاستعمال المنزلي أو للمتاجرة به، وكانت معظم البيوت تتوفر فيها أدوات غزل الصوف، كالمغزل والمكب والنير والمنسج والمشط والنول أو المنوال، وهي أدوات لا غنى عنها لتحويل الصوف إلى ألبسة وأغطية.

ولهذا كانت النساء البدويات بمنطقة الأطلس المتوسط تجدن في معالجة المواد الخام من خلال غسلها وندفها وغزلها خيوطا تكون "السدى" قبل أن تنصب المنوال وتضع النير، وهو الخشبة المعترضة في المنسج، لتبدأ عملية تلحيم الغزل. واعتبارا لهذه المهارة المكتسبة والمنتقلة عبر الأجيال، تمكنت معظم الأسر المحلية من توفير ما تحتاجه من ملابس وأغطية وأفرشة وخيام.

 

المرأة البدوية: بساطة وزينة

 

يتميّز اللباس التقليدي للمرأة البدوية بهذه المناطق بكونه يحاول أن يوفّق بين متطلبات الزينة من ملبس جميل وحلي ووشم تعبيري، وبين إكراهات الظروف المناخية المحلية، ويمكن التمييز في هذا اللباس بين الأصناف التالية:

 

أتفاس أو إشبر (التشمير)

لباس قديم يجهل أصل اللفظتين الدالتين عليه "أتفاس وإشبر" المتداولتين بين عدد من القبائل الأمازيغية بالمغرب، وهو عبارة عن قميص أبيض من الصوف طويل مفتوح على الجانب الأيمن بشكل مستقيم وله كمّان طويلان وفتحة على الصدر، وقد تطورت طريقة تفصيله، حيث أصبح أكثر اتساعا، ويُصنع من القطن أو الكتان وأحيانا من رقيق الصوف لكونه من الملابس الداخلية.

 

تميزارت أو تحنديرت لكل المناسبات

لا غنى للمرأة الأمازيغية عنه، بل إنه لباس موغل في القدم، و"تميزارت" كلمة محلية وهي تحريف لكلمة الإزار، بينما تشتق "تحنديرت" من كلمة الحنديرة، وكلاهما من الألبسة البدوية بالمنطقة على شكل قطعة مستطيلة من نسيج الصوف الأبيض، يصل طولها إلى مترين أو أكثر، ويبلغ عرضها متراً وثلاثين سنتمترا أو أكثر.

يلبس هذا اللباس فوق جميع الملابس، حيث يوضع على الكتفين ويثبّت أسفل الذقن بواسطة شريط يطلق عليه بالأمازيغية "تسقين" أو "تسريفت"، ويمكن أن يُمَرَّر جزء منه أسفل الكتف الأيمن ويُشد في أعلى الصدر حتى تتمكن المرأة من القيام ببعض الأعمال دون أن يعيق حركتها.

يمثل "تميزارت" هوية قبلية، وتختلف أشكال زخرفته من قبيلة إلى أخرى، فهو يزيّن لدى بعض القبائل بسبعة أسطر مستقيمة ورسومات تسمى "تفنزارت" أو "إيلقدن" (الزخرفة)، تنتهي بأهداب من جهة العرض. ويتم حاليا إضافة شكل من أشكال الحلي يسمى محلياً
"الموزون" كعنصر تزيين آخر. ولهذا اللباس طقوس خاصة بالأطلس المتوسط، إذ لا تستغني عنه النساء في جميع المناسبات، كما أنه يفي بأغراض الستر ويحفظ الصحة.

 

السروال من الصوف والكتان

ينطقها الأمازيغيون بـ"أسروال"، وهي تحريف لكلمة سروال، اللفظ المشتق من الفارسية القديمة "زراولو" أو الفارسية الحديثة "شلوار"، ويمكن اعتبار استعماله في البادية الأطلسية حديث العهد، ويختلف عن سروال الرجل بكون طوله لا يتجاوز نصف الساق، وقد يتسع في أعلى ويضيق في الأسفل. وقد تطورت طرق تفصيله وخياطته حسب الذوق وحسب نوعية المنسوج كالصوف والكتان والحرير والقطن.

 

الطرابق أو الجوارب الصوفية

كان سكان المنطقة في الأصل يلفون أرجلهم وسيقانهم بخِرَق من الصوف لحمايتها من الثلج والبرد القارس قبل أن يتعرفوا على "الطرابق" التي هي نوع من الجوارب الصوفية الشهيرة لدى هذه القرى الأطلسية، والتي تصل الى حدود الركبتين من طرف النساء أو الرعاة، وتتميّز بوجود زخارف من الألوان على بأشكال هندسية مختلفة.

 

اللباس الصوفي دور وظيفي وثقافي

إن الصوف هو الأداة التي تساعد المرأة على الصمود في وجه الطبيعة وقساوتها في مناطق الأطلس المتوسط، وهي أيضا انعكاس واضح لهويتها الثقافية وانتمائها القبلي. وهذا ما يؤكده الأستاذ الباحث في التراث الثقافي والتنمية القروية وحقوق الإنسان أيت لحسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، قائلا إن لباس المرأة البدوية المعتمد أساسا على الصوف يؤدي دورين مهمين، يسمى الأول وظيفيا، بالنظر إلى المهام المنوطة بالمرأة في هذه المناطق والتي تفرض عليها العمل خارج المنزل، وبالضرورة تحتاج إلى لباس يساعدها في أداء هذه المهمة، ولذلك تجد في "تحندرات" مثلا الزي المناسب الذي يخفف عنها وطأة القساوة المناخية ويحفظ لها صحتها وصحة مرافقيها الذين يكونون من الأبناء أو الأقارب في غالب الأحيان.

يمكن للمرأة البدوية أن تبدو أنيقة بلباسها التقليدي الصوفي وما يرافقه من حلي ووشم تعبيري. ولعل صور انبهار الآخر بهذا الشكل الذي وثّقته عدسات مصورين أجانب ومؤرخين حلوا بهذه المناطق، فأبدوا إعجابهم بالمظهر العام غير المكلف الذي تظهر به امرأة هذه المناطق سواء كانت شابة أو متقدمة في العمر، يقودنا إلى الحديث عن الدور الثاني للباس المرأة في هذه المناطق، والذي سمّاه الباحث أيت لحسن بالمظهر الثقافي في شموليته، أي الانتماء القبلي الذي تبرزه هذه الألبسة التي تفتخر بها المرأة عبر الأزمنة.


اقرأ أيضاً: رقصة أحواش: لوحة جماعية تعبر عن روح الشعب المغربي

المساهمون