البوليس في السينما المصرية: الطيّب والفاسد والشرس

24 نوفمبر 2015
سعاد حسني (يوتيوب)
+ الخط -
كيف جسدت السينما المصرية صورة ضابط الشرطة والأمن؟ هذا السؤال على بساطته يحمل بداخله جزءاً كبيراً من تغير المناخ الرقابي والاجتماعي والسياسي في البلاد، ليصبح تتبع تلك الصورة طوال 80 عاماً تقريباً يحمل بداخله الكثير من متغيرات الـ80 عاماً. بشكل عام يمكن تقسيم تعامل السينما في مصر مع الضباط والداخلية إلى 4 مراحل تاريخية:

الطيب: في السينما الكلاسيكية

في المرحلة الأقدم من السينما في مصر صدر قانون للرقابة عام 1947، كان أول قانون مفصل للتعامل مع المصنفات السينمائية في هذا الوقت، أحد البنود الأساسية في القانون الرقابي: يجب إظهار رجال الدولة بصفة عامة بشكل لائق، خاصة رجال القضاء والبوليس والجيش. كذلك "لا يجوز التعرض لأنظمة البوليس والجيش، أو تناول رجاله بالنقد".

أقرأ أيضاً:سحب فيلم "الرسالة" يثير حفيظة المدافعين عن حرية التعبير

إلى جانب بند ينص على أنه "لا يسمح بمناظر قتل رجال الشرطة والضباط بأيدي المجرمين".
تلك البنود، وأخرى تفصيلية حول الصورة التي "يجب" أن يظهر عليها رجال الشرطة في الأفلام، أدت بشكل واضح إلى أن يقتصر تعامل الأفلام المصرية مع الشرطة باعتبارها (القوة التي تأتي في نهاية الفيلم لتقبض على العصابة)، لأنه لابد رقابياً أن تأتي.

ومع قيام دولة يوليو بعد 1952، استمر العمل بنفس القانون الرقابي، مع إدخال تعديلات قليلة عليه لا تمس تلك البنود التي تخص التعامل مع (رجال الدولة)، ولذلك فإن كل الأفلام في تلك الفترة تعاملت بنفس الشكل التقديسي مع رجال الشرطة.

ويمكن النظر إلى الأفلام التي أدى رجل الشرطة فيها دورا رئيسيا مثل: أربع بنات وضابط (أنور وجدي - 1945)، أو حياة أو موت (كمال الشيخ - 1954)، أو الرجل الثاني (عز الدين ذو الفقار - 1959)، أو إسماعيل ياسين في البوليس السري (فطين عبدالوهاب - 1959)، لتكوين صورة عن (ملائكية) ضابط الشرطة كما تجسده أفلام تلك المرحلة، من دون أي احتمالية للنقد أو المساءلة.

الشرس: مرحلة السادات

مع انتهاء الحقبة الناصرية، ووجود عصر جديد يستند في شرعيته على حرب أكتوبر 1973، أصبح أحد الأمور الواضحة في دولة (السادات) هو الهجوم على دولة سلفه عبدالناصر، أمر ظهر بوضوح في التحليلات السياسية والشهادات الشخصية والأدب والثقافة، وبالطبع السينما.
التعذيب والمعتقلات السياسية هي الجرم الأكبر لعهد عبدالناصر، وهو ما عبرت عنه السينما في ذلك الوقت بفيلمي "الكرنك" (علي بدرخان - 1975)، و"إحنا بتوع الأتوبيس" (حسين كمال - 1979)، حيث تم كسر وانتقاد رجال (الأمن) والمنظومة التي تخص الشرطة لأول مرة داخل الأفلام السينمائية بهذا الشكل الحاد والعنيف. الفيلمان، وعلى الرغم من أنهما دعاية مضادة لعصر أسبق، ويتم طرحهما باعتبار أن (هذا ما قد تغير عن الماضي)، إلا أنهما نقطة مهمة تاريخياً في التعامل المختلف مع الشرطة.

عنف الشرطة : الواقعية الجديدة

السينما المصرية كلها كانت تتغير مع مطلع الثمانينيات، بوجود جيل جديد من المخرجين يخلق قواعد جديدة، أكثر صلة بالواقع وأكثر (حقيقية وصدقاً) في سرد كل شيء. في تلك المرحلة هناك عملان كبيران جداً في تناول الشرطة وأمن الدولة، يحتفظ فيها الشخص بنفس صفة ونقد (الشرس)، الأول هو "البريء" من إخراج عاطف الطيب عام 1986، الذي يتحدث لأول مرة في السينما عن عالم الأمن المركزي. أما الفيلم الآخر فهو "زوجة رجل مهم" من إخراج محمد خان 1987، بورتريه عظيم يتتبع فيه "خان" وكاتب السيناريو رؤوف توفيق تحول ضابط الشرطة "هشام" من شخص عادي وطبيعي إلى شخص متسلط وعنيف ونصف مجنون. وعلى الرغم من أن الفيلم دار في "عصر سابق" إلا أنه حمل حضوراً واضحاً عن زمنه أيضاً، خصوصاً لأن الفيلم به نقد للسلطة وقوتها الغاشمة بشكل عام.. تلك التي تحول شخصا عاديا إلى مستبد مهووس بالتسلط.


الفاسد: سينما الألفية.. صورة سلبية متكررة

بعد فترة الثمانينيات مرت السينما المصرية بمرحلة طويلة من الركود، حتى مع انتفاضة في شباك التذاكر مع "المضحكين الجدد" وجيل علاء ولي الدين ومحمد هنيدي.. لم تكن هناك مساحة للأفلام الجادة، حتى تغير ذلك قليلاً في منتصف الألفية.

في ذلك الوقت صار المناخ محتملاً لأفلام أخرى مختلفة، وبالتالي تطرقت السينما أكثر من مرة وفي أدوار مهمة لشخصية (رجل الشرطة) أو (الأمن)، والملاحظة الواضحة جداً أن كل تلك الأفلام حملت انتقادات عنيفة للمنظومة وللأشخاص، ويرجع ذلك لأن تلك المرحلة من ناحية سياسية واجتماعية هي أكثر وقت تم الحديث فيه عن انتهاكات الشرطة للمواطنين داخل الأقسام، أو اعتقالات الناس في أمن الدولة، أو قضايا تضع الداخلية تحت الاتهام أمام القضاء بسبب الفساد.

لذلك ظهرت أفلام عديدة على صلة بذلك، على رأسها "هي فوضى" (يوسف شاهين وخالد يوسف - 2007) عن سلطة ونفوذ وفساد أمين شرطة، والتعذيب داخل السجون، "أبو علي" (أحمد نادر جلال - 2005) عن رجل شرطة يستغل سلطاته لإلصاق جريمة قتل بشخص بريء، "تيتو" (طارق العريان - 2004) عن استخدام ضابط ذي رتبة كبيرة نفوذه في عمليات مخالفة للقانون والتربح منها، و"الجزيرة" (شريف عرفة - 2007) عن نقد تعاون الداخلية مع الخارجين عن القانون في بعض الأحيان وترك المساحة لهم لارتكاب جرائم كبرى في مقابل مساعدتهم في أعمالٍ أخرى.

وبالطبع بعد ثورة يناير ظهر انتقاد الداخلية -التي كانت جزءاً أساسياً من موجة الغضب الشعبية العارمة ــ من ضمنها بعض الأفلام القصيرة في فيلم "18 يوم" الذي اشترك في إخراجه 10 مخرجين ومخرجات، في رؤية كل منهم ليناير 2011، وفيلم "الشتا اللي فات" من إخراج إبراهيم البطوط، الذي يظهر فيه ضابط أمن الدولة بشخصية رئيسية تعكس التعامل الأمني قبل وأثناء أحداث الثورة.

أقرأ أيضاً:امسك فنان: نقابة السينمائيين المستقلين تتحرّك
المساهمون