"طشّة" الملوخية: أصل الحكاية

31 أكتوبر 2015
طبق ملوخية (فيسبوك)
+ الخط -
طشّة الملوخية أو شهقة الملوخية، تعتبر علامة فارقة ومميزة لجودة طبخ المرأة العربية عامة والمصرية خصوصاً، فالملوخية من الطبخات الشهيرة التي يحبها العامة وعلية القوم، وربما أصل لفظها يشير إلى ذلك حيث يروى أن أصل كلمة ملوخية هو كلمة "ملوكية".
وسواء كان اسمها ملوخية أو ملوكية فهي ملكة الأكلات والطبخات بلا منازع، خاصة عندما أجرت شهيتنا الدراما المصرية بأكلة الملوخية بالأرانب كأفضل صنف يقدم على مائدة للأعزاء، واسترضاء الأزواج في حال الخصام، علاوة على زيادة القدرات الجنسية لدى الرجل، حسب ما ترى المعتقدات الشعبية؛ والتي تعود بالنتيجة على المرأة إن هي أحسنت طبخها، وخصوصا في مرحلتها الأخيرة أي مرحلة الطشة أو الشهقة.
كانت الأمهات قديما حين يفكرن باختيار العروس المناسبة لأبنائهن فهن يصفنها بكل الصفات الطيبة، وخصوصا عندما تقول الأم؛ وهي تغمز بعينها لابنها المنصاع خلف اختيار أمه بلا اعتراض: دي عليها طشة ملوخية تجنن".
طشة أو شهقة الملوخية هي إصدار صوت الشهيق المرتفع، عند إضافة الثوم المقلي للملوخية، بعد إنهاء طبخها، والبعض يضيف الثوم المقلي مع الكزبرة الجافة والفلفل الأخضر بعد دقه، والمهم أن إصدار هذا الصوت يختلف من امرأة لأخرى، فمرة يكون عاليا ومرة منخفضا، ومرة يكون حادا ومرات يكون رقيقا، ولكنه سيأتي بملوخية على عكس المتوقع، فعليه يتم تقرير مذاق الطبخة يومها، ويفضل أن تؤكل الملوخية بمجرد أن تشهق ربة البيت، ويسمع صوت شهقتها الزوج العائد من عمله متعبا، وربما سمعت شهقتها جارتها القريبة؛ والتي لا يفصل بينها وبين مطبخها سوى شرفة ضيقة، لكي تعرف أن جارتها قد طبخت الملوخية في ذلك اليوم، وحين تريد أن تجاملها فهي تقول لها من خلال الشرفة أيضا: يسلم ايدك يا أم فلان، ريحة طشة الملوخية وصلت لغاية شقتي.
ولكن الأغرب في هذه العادة أن تستعين الجارة بجارتها، حيث تطلب منها أن تقف بجوارها أثناء سكب الثوم المقلي فوق الملوخية، وتشهق بأعلى صوتها بدلا منها؛ لأن هذه الجارة مشهورة بشهقة مميزة تضفي طعما لا يقارن على الملوخية!
والأصل في هذا المعتقد أن القرويات المصريات قديما كن يطبخن في باحة البيت، حيث تربي الواحدة منهن جميع أنواع الطيور، إضافة إلى الأغنام الصغيرة وحين كانت تجلس أرضا لتطبخ الملوخية فوق الحطب، فإن الدجاجات كن يجتمعن حولها، وتبدأ في إطلاق عدة أصوات لكي تهشهن من المكان خوفا من أن ينسكب الطعام فوقهن، فتخسر إحدى الدجاجات كما سيضيع مجهودها في الطبخ، خصوصا عند طبخ الملوخية؛ لأنها تحتاج إلى تعب ومشقة حتى تصبح في شكلها النهائي، وعلى ذلك وحسب وصفات الجدات فقد كان لزاما على الطباخة الأصيلة أن ترفع الملوخية عن النار، بمجرد أن تضيف لها "تقلية الثوم" وتغطيها جيدا، وتتركها قليلا قبل أن تبدأ بسكبها في الأطباق، وعلى ذلك أيضا فهي اعتادت أن تشهق بصوت عال ومفزع، لكي تهرب الطيور والحيوانات المنزلية من المكان؛ لأنها تكون على عجلة من أمرها، وتريد أن ترفع وعاء الملوخية عن النار، وتضعه بجوارها وتغطيه، وتخشى ألا تجد له مكانا وسط هذا الحشد من المخلوقات الفضولية.
وهكذا لازمت الشهقة طبخة الملوخية حتى بعد أن تحولت ربة البيت إلى امرأة عاملة، وأصبحت تعدها في مطابخ حديثة وبدون حيوانات منزلية، وأيضا قد تشتريها مفرومة ناعمة، ولا تحتاج سوى لإضافتها لماء سلق اللحم و" طش التقلية" على وجهها.

اقرأ أيضاً: "أم أحمد" تطبخ لموظفات الأردن
دلالات
المساهمون