الغسيل والنشر وصخرة سيزيف

07 يناير 2015
أراحني المنشر جزئياً من أصعب مهام ربة البيت السيزيفية(getty)
+ الخط -
لطالما مثّلت عمليّة تنظيف الغسيل ونشره رمزيّةً معيّنة بالنسبة لي، فهي تارةً فرصة للّقاءات الرومانسية أو تبادل التحية والصبحيات، وطوراً لتقبيل ابن الجيران. كلّ ذلك تمّ استنتاجه من خلال متابعتي للأفلام المصرية بالأسود والأبيض وقراءتي للروايات المصرية، وتحديداً روايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ.

باتت مخيّلتي تتركز على ما قد يحدث من مغامرات خلال عمليّة نشر الغسيل. وحافظتُ على نظرتي الرومانسية لحبل الغسيل، مع أنني ترعرعت بحيفا في حي إسرائيلي، ولم نعرف جيراناً فلسطينيين.

كنّا من سكّان الطابق الأول، ولم نملك أيضاً رفاهية نشر الغسيل على السطوح، ولا إمكانية رؤية ابن جيران جميل المظهر لأبادله التحية أو حتى أحبّه وأقبله. أفعالٌ كانت ممنوعة يومها، لأسباب تتعلق بشرف العائلة وما يُرافقه.

تزوجت وتمسّكت بفكرتي الرومانسية عن روتين الغسيل ونشره، خاصةً إذا ساعدني شريك حياتي في الموضوع. لكن الأمر تغيّر عندما كبُرت عائلتي وتكلّلت بثلاثة أطفال. فتحوّل موضوع الغسيل والنشر بذلك إلى كابوس يوميّ مستمر، فباتت تراودني أحلام يستحيل حصولها عن سلّة غسيل فارغة دون أيّ قطعة ملابس للغسيل أو للنشر. ولكن حلمي لم يتحقق مرةً واحدة حتى إلا لثوانٍ معدودة فور انتهائي من الغسيل.

وفهمت مع مرور الوقت أن الأمر من سابع المستحيلات. ولا يخفف من عبء هذه العملية وجود الغسّالات والنشافات الكهربائية. لكن عندما انتقلنا إلى السكن في شقتنا الجديدة قبل ثمانية أعوام، طلب زوجي من الحداد أن يصمم لنا منشراً للغسيل.

وفي اليوم الموعود، وصل الحداد ومعه منشر غسيل الأحلام، وتبيّن أنه ابن صفي، ولم يكن يعرف أنني زوجة أسعد، لذلك صمم منشر غسيلٍ مرتفعاً، باعتبار زوجي طويل القامة، ومفهوم ضمناً أن تكون زوجته طويلة أيضاً.

وعندما اعترضت على ارتفاعه لأنني لن أصل إليه إلا بواسطة "طبلية" أو سلّم، قال الحداد ابن صفي مبرراً "أنا كنت عارف أنك زوجة أسعد وعملت المنشر عالي لأريحك من النشر"، ليتبيّن لاحقاً أن هذا المنشر أراحني جزئياً من أصعب مهام ربة البيت السيزيفية.
دلالات
المساهمون