رسائل الجدران

04 ديسمبر 2014
+ الخط -
"امسح كمان يا نظام جبان"، تعتلي هذه العبارة كل محاولات الأنظمة السابقة في محو هتافات ونبض الثورة المدونة على الجدران، لتثبت أنه طالما تألم النظام ممّا هو مكتوب على الجدار وحاول محوه، فإن القضية لا تزال معلقة دون حل.
 
وقد يستطيع زائر القاهرة أن يستنبط حالة الغليان في الشارع السياسي المصري، فقط بقراءة رسائل الجدران، ما بين "سيسي قاتل" و"مرسي راجع" من جانب، و"سي سي" و"يسقط الإخوان" من الجهة الأخرى، بل باتت القوى المتصارعة في المشهد السياسي المصري، تمارس عِنداً، ظاهره مسح كل ما يكتبه الطرف الآخر، أو الكتابة فوقه، وباطنه قضيةٌ كلّ منهم مؤمن ومتمسك بها.

أما النظام، أو بالأحرى الأنظمة المتعاقبة، فتعاند كلها وتمحو كل رسائل الجدران، عدا ما يروق لها من عبارات مؤيدة لها. فعلى أسوار المباني والمنشآت الحكومية، يحرص النظام الحالي على محو كل ما يعارضه، ويُبقي فقط على "سي سي رئيسي".
وعن أشهر رسائل الشارع السياسي للأنظمة المتعاقبة في مصر، فكانت "الشعب يريد إسقاط النظام"، على مدار ثورة 25 يناير، و"حاميها حراميها"، أثناء فترة حكم المجلس العسكري في 2011، و"يسقط حكم المرشد"، أثناء فترة حكم الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، و"سيسي قاتل"، منذ الانقلاب العسكري على مصر في 3 يوليو/ تموز من العام الماضي.

أما "اللي كلّف مماتش"، فهي بالنسبة لأحمد إبراهيم، أحد ثوار 25 يناير، الأصدق والأكثر تعبيراً عن حال الثورة حتى الآن.
وكانت هذه العبارة مدونة مع رسم جرافيتي لأنصاف وجوه الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ورئيس المجلس العسكري السابق المشير طنطاوي، والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق والمرشح الرئاسي الخاسر عمرو موسى، والمرشح الرئاسي الخاسر ووزير الطيران الأسبق أحمد شفيق.

يضيف إبراهيم: "حدث بالفعل.. أن المجلس العسكري أطاح بمبارك، ثم تولى المجلس العسكري إعداد وترتيب أوراق قضية محاكمته المعروفة إعلامياً بقضية القرن، ثم خاض كل من موسى وشفيق المنافسة في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، وبعدما فشل كلاهما، جاء السيسي ليكمل مشوار مبارك، وها هو مبارك يخرج براءة من قضية قتل الثوار".

"آه .. ما أقسى الجدار، عندما ينهض في وجه الشروق، ربما ننفق كل العمر.. كي ننقب ثغرة، ليمر النور للأجيال.. مرة.. ربما.. لو لم يكن هذا الجدار.. ما عرفنا قيمة الضوء الطلي"، قالها الشاعر المصري الراحل، أمل دنقل، في ديوان "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، وهي العبارة التي تتذكرها نسمة أحمد، واحدة من ثائرات ثورة 25 يناير، كلما مرت بجدار مدونة عليه رسائل أو رسوم جرافيتي، وخاصة بشارع محمد محمود، أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من ميدان التحرير، والمشهور برسوم الجرافيتي عليه طول أحداث ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن.
تضيف أحمد: "أظل أكرر: ما أقسى الجدران، ما أقساه على الحاكم، وما أقساه على كاتبه، وما أقساه على أصحاب القضية، كلما قرأت رسالة مدونة على جدار". وتتابع: "قد تكون تلك الرسائل هي نبض الثورة الباقي فينا"، ضاربة المثل بميدان التحرير الذي تغيّرت ملامحه عن 25 يناير 2011، والذي لم يبق فيه من روح الثورة سوى جدار شارع محمد محمود، برسوم الجرافيتي عليه التي تزيد مع كل حدث جديد أو كل ذكرى حدث سابق".


منذ أيام، نشرت صحيفة بريطانية صوراً من أعمال الفنان البرازيلي الأصل، سيرجيو أوديث، والشهير برسومات الجرافيتي، التي تبدو لمدى إتقانها وكأنها تكاد تقفز من مكانها وتتنفس. هذا هو حال فرح ورفاقها من ثوار 25 يناير، وأصدقاء شهيد أحداث محمد محمود الثانية، جابر جيكا، التي تؤكد أنها "كلما مرت بالشارع ورأيت صور الجرافيتي عليه، سمعت صوت جيكا، ورأيتنا جميعاً نجري ونفترق من كثافة الغاز المسيل للدموع، وشعرت أن الصور والعبارات المدونة على الجدار تقفز من مكانها وتلتحم معنا لنعيد كل الذكريات". هي مجرد لحظات تعيد في ذاكرة فرح شريط الثورة كاملاً، كلما مرت بالشارع، ولكنها تفيق منه سريعاً، فتجد الجدار باقياً في مكانه، والشارع يشهد حركة سير طبيعية، ولا وجود لرائحة غاز سوى في ذاكرتها.
وفيما يستمر خضمّ الصراع السياسي في مصر، ستبقى الجدران تلعن كل نظام وسلطة خانت الوعد، وحادت عن طريق ثورة 25 يناير.
المساهمون