"بي بي سي" تخوض معركة البقاء

22 يناير 2020
أمضى هول 7 سنوات في BBC (ليون نيل/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن المدير العام في "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، توني هول، يوم الإثنين عن استقالته خلال ستة أشهر، بعد سبع سنوات قضاها في منصبه، بعدما استقدم لتحقيق الاستقرار في المؤسسة عقب فضيحة الإعلامي النجم جيمي سافيل، واستقالة سلفه جورج إنتويسل، عام 2012. 

توفي سافيل في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، لكن بعد وفاته ظهرت اتهامات له بالاعتداء الجنسي على أشخاص، بعضهم كانوا قصراً. وتبين أن سافيل كان يستغل شهرته في جذب ضحاياه والاعتداء عليهم في غرفة تبديل الملابس داخل مبنى "بي بي سي"، في فترة السبعينيات. وحسب نتائج التحقيق، فإن المؤسسة فشلت في وقف اعتداءات سافيل بسبب "ثقافة الخوف" في الهيئة، و"الشعور بأن المشاهير لا يمكن المساس بهم". 

وعُين هول (68 عاماً) مديراً عاماً خلفاً لجورج إنتويسل الذي استقال بعد 54 يوماً فقط من توليه مهامه، بسبب نشر تحقيق كاذب يتهم مسؤولاً سياسياً سابقاً في حزب المحافظين، في عهد رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، بالاعتداءات الجنسية. 

وقال هول، في رسالة إلكترونية وجهها للموظفين، إنه يستقيل ليشرف قائد جديد على فترة المراجعة النصفية لتمويل "بي بي سي" في 2022، وتجديد ميثاقها الحاكم المنتظر في 2027. وفي تحذير لمنتقدي المؤسسة، أكد هول أنه "في عهد الأخبار الكاذبة، نظل المعيار الذهبي للحياد والحقيقة"، مضيفاً أن "ماهية (بي بي سي) وما تمثله نفيس بالنسبة لهذه البلاد. نحن نتجاهل ذلك على مسؤوليتنا". 

وأفاد هول بأنه يغادر لتولي منصب المدير في "ذا ناشيونال غاليري". المنصب شاغر منذ سبتمبر/أيلول الماضي حين تنحت هانا روتشيلد.

وشكلّت استقالة هول مفاجأة للمقربين منه، وتحديداً لأنه كان يأمل الحفاظ على منصبه إلى حين حلول الذكرى المئوية لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" عام 2022. وقالت شخصيات بارزة في" بي بي سي" إن حسابات المدير العام تغيرت بسبب العلاقات المتوترة مع حكومة بوريس جونسون والجدل بشأن رسوم الترخيص ونموذج التمويل، وفق ما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. 

أزمات "بي بي سي" 
سيتولى المدير العام الجديد مهامه في وقت حرج بالنسبة لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" التي تعاني من صعود خدمات البثّ على الإنترنت، مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم"، فضلاً عن القوة المتزايدة لشركات الإنتاج الضخمة، بما فيها "ديزني" و"إيه تي أند تي" التي تمتلك شبكة "إتش بي أو". 

وتعرضت "بي بي سي" للانتقاد من جانب "بريكست" بسبب تغطيتها لمغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، واقترح البعض في حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون المحافظة تغيير نموذج تمويلها. تمول الهيئة حالياً بشكل كبير من خلال 154 جنيها إسترلينيا (200 دولار أميركي) سنوياً يدفعها كل بيت يدخله تلفزيون في البلاد. وهي ليست خاضعة للدولة، بالرغم من أن الحكومة تحدد شروط ميثاق الهيئة، ويتم تجديده كل عقد. 

وواجه هول انتقادات واسعة، عقب قراره بسحب التراخيص التلفزيونية المجانية لنحو أكثر من ثلاثة ملايين ممن تزيد أعمارهم عن الـ 75. إذ سيفرض على هؤلاء، بحلول منتصف العام الحالي، دفع 154 جنيهاً إسترلينياً، للحصول على حق مشاهدة "بي بي سي"، والوصول الى بثها التلفزيوني المباشر. 

كما سيتعين على من يخلف هول حل مشاكل المساواة في الأجور داخل المؤسسة، والنزاعات، والتحيز السياسي، ومسألة التنوع. في يوليو/تموز عام 2017 كشفت الهيئة، في إطار تسوية مالية مع الحكومة، أن أجور كبار المذيعين تزيد خمسة أمثال عما تتقاضاه أعلى المذيعات أجراً، وأن ثلثي المذيعين الذين يتقاضون 150 ألف جنيه إسترليني (203500 دولار أميركي) على الأقل من الرجال. 

وفي يناير/كانون الثاني عام 2018، كتبت محررة الشؤون الصينية في "هيئة الإذاعة البريطانية"، كاري غرايسي، في رسالة مفتوحة أنها استقالت من منصبها كمديرة لمكتب بكين، بسبب تفاوت الأجور مع زملائها الذكور. خلال الشهر نفسه، شكت 170 عاملة في "بي بي سي" من تقاضيهن رواتب أقل من نظرائهن الرجال، واتهمن الإدارة بتضليلهن بشأن الأجور، لإخفاء تمييز واسع على أساس النوع داخل المؤسسة. وقدّم "الاتحاد الوطني للصحافيين" شكوى جماعية نيابة عن 121 امرأة.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية لا تختار خلفاً لهول، بل يتعين على مجلس الإدارة في "بي بي سي" فعل ذلك. 

"لحظة خطيرة" 
استغل النواب المحافظون في بريطانيا لحظة رحيل هول ليحذروا "بي بي سي" من أنها تواجه "لحظة خطيرة". وقاد وزير الثقافة السابق في المملكة المتحدة، جون ويتينغدايل، الدعوات إلى إجراء مناقشات حول تغيير نموذج تمويل المؤسسة، قائلاً إنه يجب البدء بها منتصف عام 2022، مشيراً إلى أن بديل هول عليه التفكير في كيفية تعزيز قدرات "بي بي سي" التنافسية في ظل عصر البثّ عبر الإنترنت، وتحديداً "نتفليكس". 
وقال ويتينغدايل لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية إن: "الارتفاع الهائل في المحتوى الذي يبثّ عبر الإنترنت، وانتشار خدمات الاشتراك، تطرح أسئلة حول الاستدامة وكيفية مواصلة بث الخدمة العامة بشكل عام وأيضاً مستقبل رسوم الترخيص". 

وقالت النائبة العمّالية هارييت هارمان، للصحيفة نفسها، إن "بي بي سي" تواجه "لحظة خطيرة" وسط عدم التزام الكثير من المحافظين بخدمة البثّ العامة. أما النائب العمالي كيفين برينان فقال إن على المدير العام الجديد أن يكون مستعداً للدفاع عن المنظمة ضد "حكومة يمينية للغاية، ووسط الأصوات التي تريد كسر (بي بي سي)". 

وأشارت وزيرة الثقافة الحالية في المملكة المتحدة، نيكي مورغان، إلى أن "مساهمات هول كانت لافتة في (بي بي سي) خلال السنوات السبع الأخيرة"، معتبرة أن على من يخلفه البناء على أساس نجاحاته، وفق ما نقلت صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية". 

وغرّدت جون ساربونغ التي عُينت أخيراً أول مديرة للتنوع الإبداعي في "هيئة الإذاعة البريطانية": كان من دواعي سروري وشرف كبيرلي أن أعمل تحت القيادة الحكيمة التي يتمتع بها توني هول، لا أبالغ حين أؤكد على الدعم الذي أظهره لي في المساعدة على بدء عملية التغيير الشامل في (بي بي سي). سنفتقده بصدق".

المرشحون لخلافة توني هول 
أفادت صحيفة "فايننشال تايمز"، استناداً إلى مصادر من داخل "بي بي سي"، بأن مديرة المحتوى في "هيئة الإذاعة البريطانية" شارلوت مور، ومسؤول "استديوهات بي بي سي" تيم دايفي، قد يخلفان توني هول. 

صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية أشارت إلى أن اسم السياسي السابق في حزب العمال، جيمس بورنيل، في صدارة المرشحين لتولي منصب المدير العام في "بي بي سي". ولفتت في الوقت نفسه إلى أن امرأة قد تتولى المنصب للمرة الأولى في المؤسسة البريطانية، مع بروز اسم فران أنسوورث كبديلة محتملة، علماً أنها تتولى حالياً منصب مسؤولة الأخبار في "بي بي سي". 

ذا غارديان" البريطانية ركزت حصراً على 5 مرشحات نساء لتولي المنصب، وهن: الرئيسة التنفيذية في "القناة الرابعة" البريطانية أليكس ماهون نظراً إلى خبرتها في قيادة خدمة عامة تحت ضغط الحكومة، وشارلوت مور التي أشارت إليها "فايننشال تايمز" أيضاً، ورئيسة دار النشر "بينغوين راندوم هاوس" غايل ريبك التي عملت في مجال النشر لأكثر من أربعة عقود وكانت عضوة في فرقة العمل المعنية بالصناعات الإبداعية في الحكومة البريطانية، وجاي هانت التي تولت مناصب عدة في "بي بي سي وَن" و"القناة الرابعة"، إضافة إلى شارون وايت التي تولت الرئاسة التنفيذية في مؤسسة "أوفكوم" بين عامي 2015 و2019.

مسيرة توني هول
يعدّ توني هول المدير العام الـ 16 لـ "هيئة الإذاعة البريطانية". ولد هول عام 1951، وكان والده مدير مصرف، في بلدة بيركينهيد الإنكليزية. تلقى تعليمه في "مدرسة الملك إدوارد" و"مدرسة بيركينهيد"، قبل انتقاله إلى "كلية كيبل" في أكسفورد، حيث قرأ الفلسفة والسياسة والاقتصاد.

انضم هول إلى "هيئة الإذاعة البريطانية" عام 1973 كمتدرب، قبل أن يوظف منتجاً في برنامج "توداي" و"ذا وورلد آت وَن" و"بي إم". وفي سن الـ 34، عُين رئيس تحرير الصحيفة اليومية "ناين أوكلوك نيوز".

وعام 1990، تولى منصب مدير قسم "أخبار بي بي سي والشؤون الدولية"، جامعاً التلفزيون والراديو للمرة الأولى. قاد "بي بي سي نيوز" حتى عام 2001، حين أنهى مسيرة مهنية مدتها 28 عاماً في المؤسسة، مشرفاً على إطلاق خدمات مثل "راديو 5 لايف" و"بي بي سي نيوز 24" و"بي بي سي نيوز أونلاين" و"بي بي سي بارليمانت".

عمل رئيساً تنفيذياً لدار الأوبرا الملكية حتى إبريل/نيسان عام 2013. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 سُمي مديراً عاماً لـ "هيئة الإذاعة البريطانية"، وتسلم مهامه في مارس/آذار عام 2013.

بين إنجازات لورد هول إطلاق "بي بي سي ساوندس" BBC Sounds، وهو "منزل رقمي" مركزي لمحتوى "هيئة الإذاعة البريطانية" الصوتي، و"بريتبوكس" BritBox، وهي خدمة بث في المملكة المتحدة تم إنشاؤها مع جهات بث أخرى لمواجهة هيمنة المنصات الأميركية، مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم" و"آبل تي في بلاس".

 
المساهمون