أعلنت "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، الثلاثاء الماضي، عن عقوبات مالية ضد وسائل الإعلام التي لم تسوّ وضعيتها القانونية، قيمة الواحدة منها خمسون ألف دينار تونسي (حوالي 18 ألف دولار أميركي).
وسلّطت "الهايكا" عقوبتها ضد قناتي "نسمة تي في" و"الزيتونة" اللتين "تبثان بصفة غير قانونية لعدم حصولهما على إجازات من الهيئة"، بالإضافة إلى إذاعة "القرآن الكريم" التي سبق أن طالبتها بالتوقف عن البث إلى حين تسوية وضعيتها القانونية.
هذه القرارات، وإن بدا ظاهرها تطبيقاً للقانون، فإن باطنها يعكس صراعات سياسية بدأت تزداد حدتها مع اقتراب الموعد الانتخابي الرئاسي والتشريعي في تونس. فـ "الهايكا" تلقت دعماً كبيراً، الأسبوع الماضي، من الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ورئيس البرلمان محمد الناصر، ثبتّت عبره وجودها القانوني، وتريد أن تضمن أكبر قدر من الشفافية والاستقلالية والحيادية في التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي المقبل، "ضماناً للإنصاف بين الأطراف السياسية" كلها، لذلك ترفض توظيف وسائل إعلام لخدمة مصالح سياسية حزبية أو شخصية ضيقة.
وبدأ هذا "الرفض" عبر تنديدها بتوظيف أحد مالكي "نسمة تي في"، نبيل القروي، القناة المذكورة في الدعاية الشخصية، عبر عرض يومي لبرنامج "خليل تونس" الذي يطل فيه القروي مقدّماً مساعدات عينية ونقدية لعائلات فقيرة في تونس.
كما تبث تقارير مصورة لمواطنين استفادوا من هذه المساعدات وهم يمجدون ما يقوم به نبيل القروي. وقد أثرت هذه الإجراءات في الرأي العام التونسي، إذ برز اسم القروي وسط تخمينات بترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يذكر أن "نسمة تي في" عادت إلى البثّ ببرامج مسجّلة والكثير من المسلسلات التركية خلال رمضان، في انتظار أن تعود للبرامج المباشرة، بعد منحها إذن "الهايكا" في انتظار تسوية ملفها القانوني، وذلك بعد حصارها ومصادرة معدّاتها، يوم 25 إبريل/نيسان الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون المنظّم للقطاع الإعلامي في تونس يفرض الفصل بين العمل الإعلامي والعمل السياسي على مستوى المناصب القياديّة في المؤسسات الإعلامية، وهو ما لا يتطابق مع حالة القروي. كما أنّه لا يتطابق مع حالة أسامة بن سالم، مؤسس قناة "الزيتونة"، وهو عضو مجلس شورى "حركة النهضة". وعلى الرغم من أن بن سالم أكد أكثر من مرة أن لا علاقة له بإدارة القناة قائلاً إنها مسؤولية سامي الصيد، إلا أن مصادر تؤكد أن بن سالم لا يزال له اليد الطولى في القناة، ويلقى دعماً من حزب "حركة النهضة" الذي ينتمي إليه، وهو ما صرّح به رئيس "الهايكا"، النوري اللجمي.
ويتجسّد التداخل السياسي والإعلامي أيضاً في حالة مالك إذاعة "القرآن الكريم"، سعيد الجزيري. فللرجل سيرة ذاتية تحوم حولها الكثير من الأسئلة، بينها أنه سبق له أن سُجن في فرنسا بتهم تتعلق بالعنف على أساس ديني. كما رُحّل بعد ذلك من كندا لاستعماله وثائق سفر مزيفة وحصوله على صفة لاجئ من دون وجه حق. كما قبضت عليه السلطات الأميركية عندما كان يحاول اجتياز الحدود الأميركية المكسيكية بطريقة غير شرعية. واستقرّ الجزيري في تونس بعد الثورة، وأسّس إذاعة "القرآن الكريم" من دون إجازة قانونية، كما كوّن حزب "الرحمة" الإسلامي، وأصبح يوظف الإذاعة في خدمة أجنداته السياسية.
وقد تكون هناك مظاهر أخرى لحالة التداخل تلك، تتجاوز حالة قناتي "نسمة تي في" و"الزيتونة" وإذاعة "القرآن الكريم"، خصوصاً في ظلّ الحديث من قبل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عن وجود مال فاسد ومال سياسي يخترق وسائل الإعلام التونسية بشكل غير معلن.