وكانت القاضية غادة عون قد أصدرت حكماً بحق الناشط شربل خوري، يوم الخميس، يقضي بإغلاق حسابيه على موقع "فيسبوك" لمدة شهر، وتوقيعه تعهداً بعدم التعرّض إلى أي دين، على خلفية منشور سخر فيه أعجوبة نُسبت للقديس مار شربل. كما أمرت الصحافية، جوي سليم، بإزالة كافة التعليقات المتعلقة بالقضية من صفحتها، على خلفية المنشور نفسه.
خوري وسليم واجها، طوال أسبوع، حملة إلكترونية تضمنت تحريضاً ودعوات للاقتصاص منهما، وشتائم وتهديدات، ونشر لعناوين إقامتهما. كما تعرّض خوري لاعتداء بالضرب في مكان عمله، وفق ما كتب على "فيسبوك".
مؤسسة "مهارات" غير الحكوميّة التي تُعنى بقضايا الإعلام وحرية الرأي والتعبير، اعتبرت القرار بحق خوري وسليم "مشبعاً باللعب على الغرائز الدينية، ويشجّع على الكراهية وعدم تقبّل الرأي الآخر، واحترام حق النقد والتعبير والسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، وإغفال أحكام الدستور والتزامات لبنان الدولية، عبر إخضاع الناشطين لإجراءات التحقيق الجنائي، والتعامل معهم كمجرمين، وإكراههم على توقيع تعهدات الصمت".
وشجبت "مهارات" الملاحقة الاستنسابية التي تعرّض إليها خوري وسليم، والتغاضي عن جرائم الكراهية التي ارتُكبت بحقهما من تحريض وتهديد ودعوات إلى القتل والسحل والاغتصاب وكشف محل إقامتهما والدعوة إلى الاعتداء عليهما، بسبب اختلافهما الفكري والديني مع الآخرين، والتعبير عن معتقداتهما عبر "فيسبوك".
وأشارت "مهارات" إلى أن هذا الأمر يُشكّل مخالفة صارخة لنص "المادة 20" من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وتساهلاً مع الجماعات الدينية وتحفيزاً لها لممارسة عنف فكري، معنوي وجسدي، بحق مواطنين مسالمين، بدلاً من معاقبتهم على الأفعال المحظورة دولياً والموثقة في الدستور اللبناني.
في السياق نفسه، أوقف جهاز المعلومات في المديرية العامّة للأمن العام، صباح أمس الجمعة، الناشط محمد عوّاد، أثناء توجهه إلى عمله، وصادر هاتفه وحاسوبه الشخصي، بسبب منشوراته السياسية، ثم أُفرج عنه بعد توقيعه تعهّداً بعدم التعرّض للرؤساء وللرموز الدينية.
كما استدعى "مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية"، الناشط عماد بزي، يوم الثلاثاء، بسبب منشور على "فيسبوك" دعا فيه إلى إعطاء مراجعات سيئة لمشروع "إيدن باي"، لـ"مخالفتهم القانون والبناء على الشاطئ الذي هو ملك عام للدولة والشعب اللبناني".
وكانت "منظمة العفو الدولية" (أمنستي) قد أصدرت، في 11 يوليو/تموز الحالي، بياناً حذّرت فيه من أن "هذه التعهدات ليست سوى ضرب من ضروب الترهيب، ولا أساس لها في القانون اللبناني... وقد دأبت السلطات على استخدام تلك التعهدات في محاولة منها لإسكات أصوات الناشطين وغيرهم من الأفراد، الذين ما كان ينبغي أبداً أن يُعتقلوا في المقام الأول".
وأفادت "أمنستي" بأن السلطات العسكرية والأمنية في لبنان تمتلك، بصورة تفصيلية، البيانات الشخصية للعديد من الناشطين، بما في ذلك حساباتهم المطبوعة على "واتساب"، وما تبادلوه من رسائل نصيّة مع الآخرين، وتسجيلات لمكالماتهم الهاتفية.
أجواء الترهيب والقمع وسياسة تكميم الأفواه التي تسيطر على البلاد في الفترة الأخيرة، إلى جانب الفضائح في فبركة ملفات لمواطنين كما حصل مع الممثل زياد العيتاني والناشطة جنى أبودياب، استفز اللبنانيين الذين عبّروا عن رفضهم لهذه الإجراءات غير القانونية، واصفين ما يحصل بـ"عودة حكم البعث".
وعبْر وسم "#لا_أتعهد" سلّطوا الضوء على المخالفات القانونية بحق الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوا بحقهم في التعبير عن آرائهم المكفولة ضمن القانون، داعين إلى عدم اللجوء إلى أعذار واهية، مثل إهانة الرموز والمقدسات، لإسكات الشعب.