آراء متضاربة حول أداء إيمانويل ماكرون في هجومه الإعلامي المضاد

16 ابريل 2018
احتدم النقاش في المقابلة (تشيسنوت/Getty)
+ الخط -
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعرف أن لقاءه، أمس الأحد، مع صحافيَّيْن من طراز جان جاك بوردان وإدوي بلونيل، ليس بالأمر الهيّن، خصوصاً أنّ كل الأسئلة مسموح بطرحها. ورغم الاختلاف الكبير بين الصحافيَيْن في طرق عملهما ومواقفهما السياسية والأيديولوجية، إلا أنهما يظلان مُزعجَين وحريصيْن على استقلاليتهما.

إذ أن جان جاك بوردان، في برنامجه اليومي في "راديو إر إم سي"، وقناة "بي إف إم تيفي" الذي يتصيد فيه أخطاء وجهل مُحاوريه، والذي يستخدم فيه سلاح مقاطعة الحديث، وأيضاً الإلحاح في طرح السؤال حتى الحصول على جواب ما، وهو ما يربك ضيوفَه في غالب الأحيان. في حين أن إدوي بلونيل معروف عنه كشفه، أثناء عمله في صحيفة "لوموند" ثم بعد تأسيس موقع "ميديا بارت"، كثيرًا من القضايا والفضائح التي أطاحت بوزراء ومسؤولين مهمين، وتهدد مستقبل آخرين، ومنهم رئيس جمهورية سابق (نيكولا ساركوزي)، كما أنه وضع تحت التنصت من قبل رئيس جمهورية أسبق (فرانسوا ميتران).

والحقيقة أن لقاء إيمانويل ماكرون بهذين الصحافيَين، الذي شاهده 3.8 ملايين شخص، أراد به الرئيس الفرنسي، ليس فقط الإجابة على تساؤلات وهموم وقلق الفرنسيين، عبر أسئلتهما، بل ومحاولة تجاوز تبعات اللقاء غير الناجح الذي أجراه مع القناة الفرنسية الأولى قبل أربعة أيام، والذي جرى في مدرسة فرنسية واتَّسم بالطابع المدرسي، بسبب أسئلة الصحافي غير المحرجة، والذي لم يُقنع كثيًرا من الفرنسيين بسبب رتابته وغياب أي إعلان جديد فيه.

كما أن الرئيس الفرنسي أراد أن يُحسّن شيئاً من علاقاته المتوترة مع الصحافيين. إذ منذ توليه للرئاسة، يقوم طاقمه الصحافيّ المقرب باختيار الصحافيين الذين يحق لهم مرافقته في زياراته وتنقلاته أو اللقاء به. وكل شيء يتمّ بكثير من الصرامة، بحيث إنّ كثيرا من الصحافيين يتحدثون علانية عن غياب حرية الصحافة، وعن رغبة ماكرون في احتواء ما تبقَّى منها وتدجينها.


ولم يكن جان-بيير بيرنو، صحافي القناة الأولى الوحيد الذي تعرض للانتقاد بسبب أسئلته المهادنة للرئيس، معظم اللقاء، بل حدث الأمر نفسه مع صحافي القناة الثانية، لوران ديلاهوس، الذي انتُقد أداؤه الصحافي في مواجهة رئيس الجمهورية. وجاءت أعنف الانتقادات من جان جاك بوردان الذي قال: "حين نمارس الصحافة، فإننا نطرح أسئلة محدَّدة، ويتوجب على من يواجهنا أن يجيب".

ويرى بوردان أن في لقاء الرئيس مع ديلاهوس "غياب كليّ للتعارُض"، إذ "حين يتحدث ماكرون عن إغلاق المنشآت التي تشتغل بالفحم الحجري، ألَم يكن بالإمكان طرح أسئلة عن الأموال التي تنفقها الدولة لتمويل الطاقات الأحفورية؟" قبل أن يعلق بسخرية حادة "وإلا فليس ثمة من داعٍ لسؤال الرئيس. طيب، نكتفي بوضع غلاف ورقي مصقول، وانتهى الأمر"، قبل أن يوجه تحذيرا إلى الإليزيه: "يجب على الإليزيه أن يدرك أن اللقاءات المتواطئة لم تخدم، أبداً، أي أحد".



لم يكن جان جاك بوردان ليناقض نفسَه، فبدا من البداية هجوميّاً وملحّاً في أسئلته، وهو نفس موقف بلونيل، أيضاً، خاصة مع جُمَله الطويلة الشارحة. والذي قابله الرئيس الفرنسي ماكرون، من البداية، بالقول إنّ بلونيل يقوم بمرافَعةٍ ولا يوجّه سؤالاً، منتقدًا "التوجه الذي يسير عليه السؤال"، وطابعه "المخاتل". واستغرق الرئيس في شرح طويل، لا يتزعزع، بمقاطعات الصحافيَيْن.


وحين تطرق اللقاء إلى قضية التهرب الضريبي، رفض الرئيس الفرنسي وصف "التهرب الضريبي"، لأن ما يتحدث عنه الصحافيان "لا يعاقب عليه القانون". ومع اشتداد التجاذب بين الصحافيَين والرئيس الذي غرق في نوع من الشروحات والدروس، صاح بوردان في اتجاه الرئيس: "لست أستاذاً، ولسنا تلاميذ"، وهو ما عقّب عليه ماكرون "لستما تلميذين، لكن حين تكون ثمة أشياء غير دقيقة، عليّ أن أقولها".

وحين تحدّث بلونيل عن "رئيس الأثرياء" وعن ما يعتبرون "أصدقاء" للرئيس، ومنهم برنار أرنو وفرانسوا بينو، ردّ الرئيس بجفاء: "ليس لديّ أصدقاء"، وأضاف في عصبية ظاهرة: "لستم قضاة، أنتم محاورون، ولستُ، هنا، من أجل الحكم على أي كان". ثم لجأ ماكرون إلى استحضار متاعب "ميديا بارت" سنة 2014 مع الضرائب، وهو ما أثار غضب إيدوي بلونيل الذي صاح: "هذا غير جدير بكم".


ولم يُخْفِ الرئيس الفرنسي الذي تحدث عن وزرائه باعتبارهم يتمتعون بالحرية، غضبه حين تحدّث بلونيل عن عدم رضا وزير الإيكولوجيا، نيكولا هولو، عن بعض القرارات الحكومية، فصاح فيه: "توقف عن التفوه بالتفاهات، فأنت لا تقرأ على شفاه أي وزير".

وفي نهاية اللقاء، استطاع الصحافي بوردان، مرة أخرى، أن يُخرجَ الرئيسَ من أطواره، وهو يسأله: "ألستَ منغلقاً في الوَهم السخيف للقوة المطلقة"، فرد ماكرون: "لا أومن بالقوة المطلقة، بل أُومنُ بالديمقراطية التامة والكاملة".


تجدر الإشارة إلى أن بلونيل اعترف بأنه وجد مع زميله بوردان صعوبةً كبيرة في "مباراة الملاكمة" في اعتراض أو إيقاف الرئيس في اندفاعاته. قبل أن يضيف بأن إجابات الرئيس الطويلة هي من احتل الميدان، في هذا الهجوم الإعلامي الرئاسي المضاد.

ومثل كل لقاء يجمع ماكرون بوسائل الإعلام، فقد كانت المواقف منه متضاربة، فبينما اعتبره البعضُ "لقاءً صحافياً استثنائياً"، رأى فيه البعض الآخر "حواراً كاريكاتورياً"، بل و"خليطاً من المأساة والكوميديا". وبينما رأى فيه ممثلو الأغلبية الرئاسية فرصة لتوضيح الإصلاحات والدفاع عنها واكتشفوا، مرة أخرى "نقاشاً حادًا"، وأن الرئيس "عرف كيف يمتص الضربات، حينا، وكيف يوجّه ضربات، أحيانا أخرى، عند الضرورة"، رأت المعارضة أن "الأسئلة كانت في واد وأجوبة الرئيس في واد آخَر"، وأنه "كان في وضعية صعبة" كما أنه "بعيد عن هموم الفرنسيين"، إذ أنه "لم يَقِس بعدُ الغضب الاجتماعي والشعبي" للفرنسيين.

وفي انتظار بعض الوقت، لمعرفة موقف الفرنسيين من هذا اللقاء الذي اتسم أحياناً ببعض العنف اللفظي، فإن الفرنسيين والمشاهدين لهذا اللقاء "الاستثنائي"، في حكم ماكرون، لم يكن لهم أن يظلوا محايدين على الإطلاق.

المساهمون