أزمة الإعلام التونسي... فرج قريب؟

11 ديسمبر 2018
تتأخر رواتب الموظفين في المؤسسات العامة والخاصة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش الإعلام التونسي أزمة خيوطها تبدأ بالشأن المالي مروراً بالتحريري ووصولاً إلى الهيكلي، وتطاول مجالات المكتوب والمرئي والمسموع، ما دفع بعضها إلى الإقفال، أما البعض الآخر فاختار الاستمرار عبر موارد مالية تحوم حول مصادرها علامات استفهام عدة وتنعكس على المهنية والتعددية.
على المستوى المالي، تعيش الكثير من وسائل الإعلام أزمة مالية خانقة، خاصة في قطاع الصحافة المكتوبة، دفعت العديد من الصحف إلى الاحتجاب عن الصدور، مثل صحيفة "الصريح" اليومية، أو اختارت الاكتفاء بنسخة إلكترونية مع التخلص والتخلي عن عدد من صحافييها، مثل صحيفة "أخبار الجمهورية" الأسبوعية.
هذه الأزمة تواجهها أيضاً الإذاعات والقنوات التلفزيونية التونسية، لذلك اختارت بعضها الإغلاق، مثل إذاعة "صراحة أف أم" وإذاعة "أوازيس أف أم" وإذاعات جمعياتية عدة، بعد عجزها عن سداد أجور العاملين فيها، فضلاً عن تكاليف البث والإنتاج.
في المقابل، تُطرح علامات استفهام عدة حول المصادر المالية في مؤسسات إعلامية اختارت الاستمرار، تحديداً قنوات تلفزيونية، علماً أن عائداتها من الإعلانات شديدة الانخفاض. وهو ما دفع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، على لسان كاتبتها العامة سكينة عبد الصمد، إلى التساؤل عن مصادر دخل هذه القنوات، خاصة أن الخبراء الاقتصاديين يقدّرون كلفة الحد الأدنى لضمان استمرارية أي قناة تلفزيونية بـ 5 ملايين دينار تونسي سنوياً (حوالي 1.8 مليون دولار أميركي).
وفي ظل غياب الإعلانات التجارية، يصبح التساؤل حول تواصل بث هذه القنوات أكثر من مشروع.

النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عبّرت، في أكثر من مناسبة، عن خشيتها من تدفق المال الفاسد أو المال السياسي على هذه القنوات، مما يفقدها هويتها التحريرية المبنية أساساً على المهنية والاستقلالية عن كل المؤثرات السياسية والاقتصادية، وهو أمر يبدو أنه بعيد المنال في الإعلام التونسي الذي يعيش في أغلبه حالة من الاصطفاف خلف طرف سياسي في الصراعات التي تعيشها البلاد قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 2019.
وعلى صعيد المحتوى، يضيع المحتوى الإعلامي أمام حدة المنافسة، وهو ما بدا واضحاً في البرامج التلفزيونية الترفيهية، خاصة تلك التي تعرضها قناتا "التاسعة" و"الحوار التونسي"، للفوز بالنصيب الأكبر من نسبة الإعلانات التجارية. أزمة المحتوى برزت من خلال برامج مثل "لتسقط الأقنعة" الذي يقدمه الإعلامي أمين قارة على قناة "الحوار التونسي" ويتحول فيه العمل الإعلامي إلى شكل من أشكال التهريج والتركيز على الجانب الفضائحي والصادم، مثلما يحصل في فقرة "ممنوع الكذب"، حيث تتم استضافة مشاهد وربطه بجهاز كشف الكذب، وتوجيه أسئلة محرجة وصادمة له، اعتبرها الكثيرون خروجاً عن نص العمل التلفزيوني الرصين، ليتم وصف ما يقدمه بـ "تلفزيون القمامة" Télé poubelle. وهو توصيف قال قارة، في أحد الحوارات، إنه يعتز به.
قناة "التاسعة" دخلت أيضاً في لعبة البرامج الترفيهية، عبر استضافات أسبوعية من قبل الإعلامي نوفل الورتاني لنجوم التمثيل في مصر، وأغلبهم من نجوم الصف الثاني، مثل إدوارد، أو استضافة التونسية نجلاء، في حوار صادم للمتلقين تتحدث فيه عن علاقتها الخاصة.
التردي في الهيكلية يطاول المؤسسات الإعلامية الخاصة والرسمية. فالمؤسسات الرسمية تواجه أزمة مالية، نظراً إلى الفائض في عدد عامليها، إذ يفوق الـ 1254 موظفا، لكن أغلب برامجه الناجحة التي تقدم على قناتي "الأولى" و"الثانية" ينجزها صحافيون لا يعملون في المؤسسة، بل يتعاونون معها بشكل ظرفي، مثل البرنامج السياسي اليومي "توقيت تونس".

الوضع نفسه تعيشه الإذاعة الرسمية التونسية بمحطاتها العشر، حيث يعمل فيها أكثر من 1150 موظفاً، يشكلون عبئاً مالياَ ضخماً على إدارتها التي اضطرت إلى التخلي عن بعضهم. المشاكل الهيكلية تعيشها أيضاً دار "سنيب لا براس" (الرسمية) بصحيفتيها اليوميتين الناطقة بالفرنسية "لا براس "La Presse والعربية "الصحافة اليوم"، حيث تتأخر رواتب الموظفين.
ولم تنجُ وكالة الأنباء الرسمية "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" من الأزمات، فنظم العاملون فيها اعتصامات مفتوحة، وهو ما دفع الحكومة التونسية، قبل أيام، إلى إقالة المدير العام للوكالة. لكن تبدو حالة السلم في المؤسسة بعيدة المنال في الوقت الحالي، في ظل رفض البعض من الصحافيين تسمية المدير العام الجديد.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التونسية عملت على التخفيف من حدة الأزمة المالية للإعلام التونسي، في قانون المالية لسنة 2019، عبر إعفاء الصحف والمنشورات والدوريات الرقمية وإنجاز وتسيير المنصات الإعلامية الخاضعة للتشريع الجاري به العمل من الأداء على القيمة المضافة باستثناء الإعلانات.
المساهمون