الحريات الإعلامية والثقافية في لبنان... تحت مقصّ الرقيب

03 فبراير 2017
معارك حرية التعبير تعود في لبنان (فيل ماردين)
+ الخط -
يعود عصر الرقابة اللبنانيّة مع بداية عام 2017، بعدما كان قد خفت نجمه قليلاً عام 2016 عمّا كان عليه عام 2015. 

وفي لبنان، ليس مقصّ الرقابة مرتبطاً بجهاز واحد أو سلطةٍ معيّنة، فهو مهام تتقاسمها أجهزة عدّة بينها الأمن العام اللبناني ووزارة الإعلام والرقابة الدينية التي يُعتبر المركز الكاثوليكي للإعلام أبرز وجوهها ودار الفتوى، بالإضافة إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، ناهيك عن تدخّل الأحزاب السياسية.


"نقشت"
حدّة النقاشات حول الرقابة اللبنانيّة ودورها ارتفعت منتصف شهر يناير/كانون الثاني، تحديداً بسبب الجدل الذي صاحب برنامج "take me out نقشت" لفؤاد يمّين الذي تعرضه قناة LBCI.

اتّهم البرنامج من قبل مستخدمين لمواقع التواصل ونواب ووزراء وقنوات إعلاميّة بـ "تصوير المرأة كسلعة"، وانتُقدت الإيحاءات الجنسيّة خلال الأحاديث في البرنامج. وعلى الأثر، ضغطت وزارة الإعلام على القناة، فطلب وزير الإعلام، ملحم الرياشي، من "المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع"، التحقق من الشكاوى التي وصلت إلى الوزارة وإليه عن عرض بعض وسائل الإعلام المرئية برامج تخالف الآداب العامة وتخدش المشاعر، وتثير الغضب. واستند الوزير في طلبه إلى مواد في القانون المرئي والمسموع.

البرنامج يحظى بأعلى نسبة مشاهدة بين البرامج على القنوات اللبنانيّة. وبينما تعرض الحلقة الأخيرة من موسمه الأول الأحد المقبل، تُخطّط القناة لإعداد موسمٍ ثانٍ. ودافعت البرامج التي تعرض على القناة كـ"هوا الحرية" لجو معلوف و"بي بي شي" عن عرض البرنامج، على اعتبار أنّ المرأة اللبنانية حرّة الاختيار، وكلامها على الهواء هو ما تسبّب للمشكلة بالنسبة للسياسيين، الذين سلّطوا الضوء على البرنامج بدل الاهتمام بمشاكل أخرى كالكهرباء والمياه وسلامة الملاحة الجويّة ومطامر النفايات وقانون الانتخاب وغيرها.
والبرنامج كان فرصةً لفصل جديد من حرب "الريتينغ" بين القنوات اللبنانيّة المتنافسة، كقناة MTV التي اعتبرته منافياً للآداب العامة.

وأمس الخميس، عقد رئيس "لجنة الإعلام والاتصالات النيابية" في لبنان، النائب حسن فضل الله، اجتماعاً مع رؤساء مجالس إدارة التلفزيونات لمناقشة وضع الاعلام المرئي. وشدد في اللقاء على "أهمية التزام اخلاقية المهنة وعدم المس بالآداب العامة في البرامج التلفزيونية".

والأسبوع الماضي، أعلن فضل الله عن "التحضير لقانون خاص بنقابات الإعلام في البلاد"، مؤكداً أن "هناك صرخة اليوم، ليس فقط في لجنة الإعلام وإنما في المجتمع ولدى المرجعيات الروحية من الوضع الأخلاقي المتفلت في بعض البرامج التلفزيونية".
وأضاف فضل الله "هذا أمر غير مقبول في لبنان، ما يحاول أن يفسد الجيل الناشئ وجيل المراهقين والعائلات".
وأكد النائب اللبناني أنه "لا يجوز أن يبقى الفلتان إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى"، وقال: "نحن نعمل على حرية التعبير، ولكنْ هناك أخلاقيات وآداب يجب الالتزام بها، وما هو ممنوع في الدول المتطورة لا يجب أن يصبح مسموحاً في لبنان".
كما تطرق اجتماع اللجنة إلى موضوع الموظفين المتعاقدين مع وزارة الإعلام، وأكد فضل الله أنه "إذا كان العدد معقولاً ومقبولاً، لماذا لا ننصف جميع المعنيين، ونحن بانتظار الحكومة التي تحتاج إلى عشرة أيام".



الستاتوس كجريمة
معركة الحريّات في لبنان تطاول مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً. فقد تصدّرت قضيّتا الشابين، باسل الأمين وحسن سعد، بسبب منشورين كتباهما على "فيسبوك" لائحة القضايا خلال الشهرين الماضيين، عبر وسم "#الستاتوس_مش_جريمة".

واعتقل الأمين في ديسمبر/كانون الأول 2016 على خلفية منشور له على "فيسبوك" عن اللاجئين السوريين، كتب فيه: "صرماية اللاجئ والعامل والمواطن السوري بتسوى جمهوريتكم وأرزكم ولبنانكم ويمينكم واستقلالكم، وحكومتكم وتاريخكم وثورتكم ورؤسائكم شو فهمنا؟"، وجاء تعليقه هذا بعد مشاهدته حلقة من برنامج "هدّي قلبك" (برنامج كاميرا خفية) على قناة "أو تي في" اللبنانية.
عُرضت الحلقة المذكورة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ونفّذ المقدم، مارسيل خضرا، خلالها "مقلباً" بعامل سوري في حلبة "كارتينغ". نصب حاجزاً وهمياً، ثم طلب من العامل أوراقه الثبوتية، وبدأ بالصراخ عليه طالباً منه الركوع أمامه على الأرض وخلع ملابسه، وتفنن في إذلاله، فسخر من ملابسه الداخلية، وعلّق علماً أحمر داخلها، وأمره بالجري بوضعيته هذه وهو يهتف "بدي حرية".

وفي حادثة منفصلة، أوقف سعد في يناير/كانون الثاني الماضي بسبب منشور كتب فيه "قررت ما يلي بعد تفكير عميق... أن أبدأ بالصلاة والصوم والزكاة، وأداء فريضة الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة، عندما يمتنع ويتوب عن السرقة والنهب للمال العام وسياسة التجويع المتبعة من قبل كلّ من: نبيه بري والحريري وعلى رأسهم ختيار بعبدا واللائحة تطول".


إيقاف أفلام
الرقابة الدينية من جهتها، سبق أن منعت أو حذفت عشرات المشاهد من الأعمال الفنية، سواء كانت أفلاما أو مسلسلات أو أغاني أو فيديو كليبات، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة في المجتمع المدني والثقافي، الذي يعتبر ذلك جزءاً من الانقضاض على مساحة حرية التعبير المتاحة.
وآخر تلك القضايا، ما انتشر في لبنان خلال اليومين الماضيين، بعد إيقاف الأمن العام عرض فيلم "ورقة بيضاء - ناتس" اللبناني للمخرج هنري برجيس في السينما اللبنانية وأحال الأمر إلى وزارة الداخلية، إثر دعوى تقدم بها المحامي علي العطار، واصفاً الفيلم في منشور على صفحته على "فيسبوك" بـ"التشويه المتعمد والمقصود بفئة وبيئة ومجتمع وشريحة كبيرة من اللبنانيين الشرفاء".

هذا القرار جاء قبل يوم واحد من قرار حذف 9 دقائق من فيلم "مولانا" المصري، بعدما كان مُنع في الصالات اللبنانيّة أيضاً. فبعد أسابيع من بدء عرضه في مصر، وإقبال الجمهور على مشاهدته، رفضت دار الفتوى في لبنان أواخر الشهر الماضي، عرض فيلم "مولانا" المقتبس من رواية إبراهيم عيسى التي تحمل العنوان نفسه، بإخراج مجدي أحمد علي.
والفيلم يروي قصة الشيخ حاتم الشناوي، وهو إمام شاب يتحول فجأة إلى داعية تلفزيوني، وواحد من نجوم المجتمع. فنتابع في الفليم الصراعات التي يدخل فيها حاتم بعد شهرته الواسعة. لكن يبدو أنّ القصة أربكت الأمن العام اللبناني الذي حول الفيلم إلى دار الفتوى، فطلبت الدار حذف مشاهد كثيرة منها بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"، و "استهزائه برجال الدين".
ثم طلبت منع عرضه كاملاً على اعتباره فيلماً مسيئاً ولا يتناسب مع الأوضاع الطائفية الدقيقة التي يمر فيها لبنان والمنطقة. علماً أن أصواتاً مصرية كثيرة خرجت بعد بدء عرض الفيلم تطالب بوقفه لأسباب مشابهة لتلك التي قدمتها دار الفتوى.
وأمس الخميس، قررت لجنة الرقابة على الأفلام التابعة للأمن العام اللبناني حذف 9 دقائق من فيلم "مولانا" المصري، قبل عرضه في صالات السينما. مدة الفيلم 136 دقيقة، واتخذ القرار بحذف مشاهد متفرّقة منه مدة كل منها تراوح ما بين الـ 15 إلى 30 ثانية لأسباب تعود إلى "حضّها على الاقتتال الطائفي وإثارة الفتنة والنعرات الطائفية بين أبناء الطائفة الواحدة (الإسلامية) وبين المسلمين والمسيحيين".

وفي سياق متصل، طالب مسؤولون في طائفة الموحّدين الدروز في لبنان، الأمن العام بحذف مشهدين من فيلم "اسمعي" للمخرج اللبناني فيليب عرقتنجي.
المشهدان يظهران رجل دين درزياً، وقد حذفهما عرقتنجي بالفعل واستبدلهما بصور سوداء أثناء عرض الشريط. وكان الأمن العام اللبناني قد أجاز عرض الفيلم كاملاً، إلا أنه وبعد انتشار إعلانات العمل، طلب الأمن العام مشاهدته مجدداً، ليبلغ عرقتنجي بضرورة حذف المشهدين.


وعام 2016 الماضي، مُنعت ثلاثة أفلام من العرض في مهرجان بيروت الدولي للسينما بدورته الـ16، هي "أمور شخصية" للمخرجة الفلسطينية مها حاج، "كأس العالم" للأخوين ملص، و"شارع زايندا" للمخرج الإيراني محسن مخملباف.
إدارة المهرجان علّقت حينها على المنع قائلةً "نأسف لاقحام الاعتبارات السياسية في الثقافة والفن، وللتعاطي مع الأعمال الثقافية والفنية من خلال نظرة ضيّقة، ووفق لغة خشبية".


وفي عام 2015 مُنع توزيع صحيفتي "لوموند" و"ليبيراسيون" الفرنسيتين لنشرهما صوراً كاريكاتورية وردت في مجلة "شارلي إيبدو" اعتبرت مسيئة إلى الأديان. وفي أيار/مايو من العام نفسه لم يصدر الأمن العام إجازة عرض لفيلم "سوليتير" في مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة. وفي حزيران/يونيو، مُنع عرض فيلم "لي قبور في هذه الأرض" للمخرجة رين متي بناءً على توصية لجنة الرقابة.
وحمل شهر آب/أغسطس في طياته صفحات سوداء سُطّرت بحق الجسم الإعلامي والثفافي في لبنان، فقد رفض جهاز الأمن العام تسليم المحامي مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان "لايف" نبيل الحلبي جواز سفره بعد أن تقدم بطلب لتجديده، من دون إبداء أي سبب. وفي أيلول/سبتمبر رفض الأمن العام إعطاء الموافقة على عرض فيلمي "Wasp" للمخرج اللبناني السويسري فيليب عودة-دور و"Life is Waiting" للمخرجة البرازيلية لارا لي، واللذين كان يفترض عرضهما ضمن الدورة الخامسة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما.
كما طاول مقص الأمن العام في 2015 المسرحيات، فقد أكدت جمعية "مارش" منع نصوص مسرحية لها، في ظل نفي الأمن العام ذلك، مشيراً إلى أنه طلب بعض التعديلات عليها. هذا وقد تم حذف جملتين أساسيتين من نص مسرحية "بيروت سيندروم" للمخرج والكاتب المسرحي لوسيان بو رجيلي.

المساهمون