وبينما تدور الشبهات حول الدور الذي لعبه "ويكيليكس" في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، لصالح المرشح الجهوري حينها، دونالد ترامب، بدأت التداعيات بالظهور. إذ أقرّت "مؤسسة حرية الصحافة" Freedom of the Press Foundation أنها على وشك إنهاء مساعدتها لـ "ويكيليكس"، وفق ما كشف موقع "دايلي بيست"، الخميس.
"مؤسسة حرية الصحافة" غير ربحية، وأُسست عام 2012 كقناة دعم لـ "ويكيليكس"، بعدما فرضت "باي بال" وشركات بطاقات الائتمان الأميركية حصاراً مالياً على الموقع، بعد نشر أكثر من 250 ألف وثيقة مصدرها وزارة الخارجية الأميركية عام 2011، وأرسلت حوالي نصف مليون دولار أميركي إلى الموقع.
لكن انحراف "ويكيليكس" عن مهمته الأساسية المتمثلة في مساءلة الحكومات والشركات، خلال الموسم الانتخابي في الولايات المتحدة، قسم أعضاء "مؤسسة حرية الصحافة" حوله، وهدّد أخيراً بتوقف المساعدات الموجهة له، علماً أن أحد الأعضاء المؤسسين صرّح لـ "دايلي بيست" أن الحصار الاقتصادي الذي واجهه جوليان أسانج سابقاً لم يعد موجوداً.
"ويكيليكس" وترامب جونيور
تواصل دونالد ترامب جونيور مع "ويكيليكس" خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مطلع الأسبوع الحالي، عن أربعة أعضاء في الكونغرس تأكيدهم حصول مراسلات بين ترامب جونيور و"ويكيليكس" قبل الانتخابات الأميركية، واستمرارها إلى هذا العام، وهو الكشف الثاني من نوعه الذي يُفيد بتواصل ترامب جونيور مع منظمات لها علاقات بروسيا والحكومة الروسية، والتي تُتّهم بمحاولة قلب الانتخابات الأميركيّة وتشويه سمعة المرشحة الخاسرة، هيلاري كلينتون.
وسلّم ترامب جونيور رسائل عبر "تويتر" مع "ويكيليكس" خلال الأسابيع الماضية لعدد من لجان الكونغرس الأميركية التي تُحقّق في تورّط روسيا في محاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية، وفقاً للمسؤولين.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اعترف ترامب جونيور في جلسة مغلقة مع لجنة القضاء في مجلس الشيوخ، أنّه تواصل مع المجموعة خلال الانتخابات.
وفي يوليو/تموز الماضي، ادّعى أسانج أنه تواصل مع نجل الرئيس الأميركي، وحاول إقناعه بنشر رسائل إلكترونية تظهر حرصه على الحصول عن معلومات حساسة حول كلينتون على الموقع. لكن عوضاً عن ذلك، لجأ نجل الرئيس الأميركي إلى موقع "تويتر"، مثيراً موجة من الانتقادات الحادة إزاء استعداده الواضح للعمل مع الحكومة الروسية ضدّ منافسة والده الديمقراطية.
"ويكيليكس" وكلينتون
نشر موقع "ويكيليكس" رسائل إلكترونية مسربة من بريد "اللجنة الوطنية الديمقراطية" الإلكتروني وبريد مدير حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، جون بوديستا. وعلّق المرشح الرئاسي الجمهوري حينها، دونالد ترامب، إنه "يحبّ ويكيليكس!".
واللافت أن روجر ستون المقرب من ترامب تواصل مع أسانج وقرصان إلكتروني معروف باسم "غوتشيفر 2.0" الذي بدأ بنشر الوثائق المسربة في 15 يونيو/حزيران عام 2016، بعد أسبوع من لقاء دونالد ترامب جونيور مع محامية روسية في مدينة نيويورك الأميركية، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في تموز/يوليو الماضي.
كما لفت موقع "ويكيليكس" الأنظار، بسبب تداخل مصالحه مع مصالح المرشح الرئاسي حينها دونالد ترامب، إذ كتب الصحافي في موقع "ذي إنترسبت"، روبرت ماكي، أن "تغريدات موقع ويكيليكس بدأت بالظهور كأنها تيار من شركة أبحاث معارضة تعمل بشكل رئيسي على تقويض حملة هيلاري كلينتون"، في أغسطس/آب الماضي.
وأواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر موقع "دايلي بيست" أن صاحب شركة عملت لفائدة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، حاول التواصل مع أسانج، لاستفساره عن المراسلات الإلكترونية الخاصة بكلينتون.
وأوضح الموقع أن ألكسندر نيكس الذي يترأس شركة لتحليل المعطيات الإلكترونية، تحمل اسم "كامبريدج أناليتيكا"، أكد لطرف ثالث أنه راسل العام الماضي أسانج، وعرض عليه تقديم مساعدة من شركته لنشر مراسلات كلينتون، والتي تصل لـ 33 ألف بريد إلكتروني، من أجل العمل على نشرها بعد اختفائها.
أسانج رد على طلب نيكس بالرفض، مؤكداً له أنه يفضل القيام بذلك العمل لوحده، وفق مصادر "دايلي بيست" المقربة من فريق الكونغرس الذي يحقق في الاتصالات التي جرت بين شركاء ترامب والكرملين.
"نيويورك أوبزرفر" و"ويكيليكس"
يملك جاريد كوشنر صحيفة "نيويورك أوبزرفر"، وكشفت "فورين بوليسي"، اليوم السبت، عن لقاءات عدة عقدها المراسل المتعاون في الصحيفة، جاك هايزاغي، مع ممثلين عن "ويكيليكس"، من أجل إجراء مقابلة مع أسانج في لندن، حيث يقيم الأخير في السفارة الإكوادورية هناك.
وعقد هايزاغي لقاءه فعلاً مع أسانج، وكتب تقريراً لصالح "نيويورك أوبزرفر" أثنى على مؤسس "ويكيليكس" وشفافيته، وشمل تفاصيل حصرية عنه. لاحقاً، تحولت الصحيفة إلى منفذ القرصان إلكتروني "غوتشيفر 2.0" المفضل. كما استند "ويكيليكس" إلى الصحيفة، معيداً نشر تقاريرها حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
قبل لقاء "نيويورك أوبزرفر" بأسانج، ركزت الصحيفة على الأوضاع الثقافية والسياسية في مدينة نيويورك، ووصفت مؤسّس "ويكيليكس" مرات عدة بـ"القرصان الأسترالي التافه" الذي "سرّب وثائق حكومية بالغة السرية معرضاً حياة الملايين للخطر، في ظل حجة وهمية عن حق الناس في المعرفة".
نبرة الصحيفة تغيرت عام 2014، حين نشرت مقابلة هايزاغي مع أسانج، وعنوانها "حرروا جوليان أسانج: مقابلة حصرية مع مؤسس (ويكيليكس)". وخلال السنوات اللاحقة وفرت الصحيفة منبراً مهماً لموقع التسريبات، وتصاعدت وتيرة التغطيات الإعلامية خلال الموسم الانتخابي عام 2016، مع بدء تسريب رسائل كلينتون.
"تكتيكات الحرب العالمية الثانية"
طوّر أسانج خوارزمية استُخدمت لانتقاء رسائل البريد الإلكتروني عشوائياً وتسريبها، من حسابات السياسيين والموظفين في "الحزب الديمقراطي" في الولايات المتحدة الأميركية، خلال العام الماضي. وساعدت الخوارزمية التي أطلق عليها أسانج اسم Stochastic Terminator الموقع في نشر مجموعة من الوثائق والاتصالات الداخلية، وفقاً لمقابلة مطولة نشرتها مجلة "ذا نيويوركر" الأميركية مع أسانج، في أغسطس/آب الماضي.
وسعى أسانج إلى تطوير الخوارزمية الصعبة كي "لا تتمكن الحملة من التكيف مع المشكلة، وتشتيتها ذهنياً، ومنعها من إنشاء حل وقائي"، وفقاً لحديث أسانج. وشرحت المجلة أن الخوارزمية بُنيت على "مولد أعداد عشوائية، وعُدلت بالأوزان الرياضية التي عكست نمط دورة الأخبار في الأسبوع العادي".
وقال أسانج "تخيل الأمر على هذا المنوال؛ خزان ويكيليكس يسقط على الأرض، ولا يمكنك الجزم متى يصل إلى الأرض ومدى سرعته أو حجمه، لأنه يملك هيكلاً خارجياً خدّاعاً. يعرفون أن العوامل الخدّاعة موجودة، لأنني أقول ذلك، لكنهم لا يقدرون على تمييز المخادع من الحقيقي... كأنني أشل تفكيرهم".
واعترف أسانج أنه تعمد عدم الشفافية إزاء المعلومات التي امتلكها "ويكيليكس" قبل نشرها، مقارناً تكتيكاته بتكتيكات عملاء المخابرات البريطانية، خلال الحرب العالمية الثانية.
"ويكيليكس" والفساد الروسي
رفض أسانج نشر وثائق حول فساد الحكومة الروسية، في صيف عام 2016، حجمها لا يقل عن 68 غيغابايت وسربت من وزارة الداخلية الروسية، بينما لم يتوقف عن نشر بيانات مسربة من "الحزب الديمقراطي" في الولايات المتحدة الأميركية.
ونقلت مجلة "فورين بوليسي"، بعد اطلاعها على سجلات محادثة بين الموقع والمسربين، أن الوثائق المذكورة "كانت تكشف عن أنشطة روسية معينة وتبين أن ويكيليكس غير خاضعة لسلطة أجهزة الأمن الروسية. العديد من موظفي ويكيليكس أو المتطوعين أو أسرهم عانوا من وحشية أجهزة الأمن الروسية وفسادها. وثقنا من أن أسانج سينشر الرسائل، لكنه قدم الأعذار واحداً تلو الآخر"، في أغسطس/آب الماضي.
وأفادت بأن التسريبات ضمت بيانات حجمها حوالي 68 غيغابايت، وتكمل ملفات سُربت سابقاً حول تورط روسيا في أوكرانيا، ونُشرت في العام 2014.
وأدّت هذه التطورات إلى إثارة الشكوك مجدداً حول علاقة الموقع بالكرملين، وتدخله في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وسلطت الضوء على مستوى الشفافية، إذ في إحدى الرسائل سأل "ويكيليكس" مسرب الوثائق الروسية حول تضمنها "زاوية انتخابية"، وأضاف "لن نقوم بأي فعل إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية، إلا إذا ضمت أخباراً مرتبطة بالانتخابات"، وتابع "ليس لدينا الموارد الكافية".
في المقابل، صرّح "ويكيليكس" للمجلة أنه يرفض الوثائق التي لا يستطيع التحقق منها أو تلك المنشورة في موقع آخر مسبقاً، مؤكداً أنه "لم يرفض أبداً أي وثائق معينة بناءً على البلد المعني".
الكوليرا أو السيلان؟
نشرت صحيفة "ذا غارديان" تقريراً يعالج "تحول ويكيليكس من موقع مفضل لليسار الليبرالي إلى أداة واضحة لحملة المرشح الجمهوري، دونالد ترامب"، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016.
وأشارت الصحيفة إلى أن تسريبات مراسلات المرشحة الديمقراطية حينها، هيلاري كلينتون، صرفت النظر عن اتهامات التحرش الجنسي الموجهة ضد ترامب. واعتبرت أن التحالف بين ترامب و"ويكيليكس" يمثل انعكاساً مدهشاً للأدوار.
عام 2010، أشاد دعاة الشفافية بالموقع، للإفراج عن أكثر من ربع مليون من الوثائق السرية من سفارات الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، بالتعاون مع مؤسسات إعلامية. وأصبح مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، بطلاً. حينها، أعرب الجمهوريون عن غضبهم تجاه "ويكيليكس". والآن، فينظر كثيرون إلى تسريبات الموقع على أنها "الخلاص المحتمل لترامب"، أما الناشطون الليبراليون، فأعربوا عن استيائهم من التسريبات وتوقيتها.
وأشار إلى أن موقع Democracy Now سأل أسانج سابقاً عما إذا كان يفضل كلينتون أم ترامب، فأجاب "أنت تسألني، هل تفضل الكوليرا أو السيلان؟". لكن بعض المراقبين يرون أن حربه على كلينتون شخصية، لأنها كانت وزيرة الخارجية حين سُربت البرقيات الدبلوماسية، وتمثل سياستها الخارجية المتشددة نقيضاً للنظرة المعادية للإمبريالية الأميركية، وفقاً للصحيفة.
وأفادت نائبة مدير مركز أوراسيا في المجلس الأطلسي، ألينا بولياكوفا، للصحيفة بأن "أسانج يرى أن هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي الدولي أكبر مشكلة اليوم". وأضافت بولياكوفا: "أعتقد أن الحكومة الروسية تستخدم ويكيليكس. العلاقة تبدو واضحة جداً بالنسبة لي... هل حملة ترامب مرتبطة بـ(ويكيليكس)؟ يصعب القول، لكني سأندهش إذا لم يكن هناك أي تنسيق".