قوانين الإعلام المصرية: إلى الصوت الواحد دُر

18 ديسمبر 2016
من الاحتجاجات أمام نقابة الصحافيين في القاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -
مبكراً، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن رؤيته لمنظومة الإعلام التي يرتضيها، وهو ما عبّر عنه صراحة حين قال "عبد الناصر كان محظوظاً لأن الإعلام كان وراءه"، أو بشكل غير مباشر عندما أذيع تسريب صوتي منسوب له يتحدث فيه عن "أذرع إعلامية ممتدة تخدم مصالحه".
يشار إلى أن إعلام الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، كان يوصم بأنه كان "تعبوياً وتحشيدياً وإعلام الصوت الواحد"، وذلك خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات على وجه الخصوص.
وبخروج مشروع قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام من مجلس النواب المصري، إلى مجلس الدولة - السلطة القضائية المسؤولة عن مراجعة القوانين، بصورته الحالية، بعد شبة إجماع النواب عليه، تنعكس رؤية السيسي للإعلام على أرض الواقع.
وفي غضون أسبوع، وعلى الرغم من اعتراضات الجماعة الصحافية عليه، ناقش مجلس النواب المصري قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، ووافق عليه.
ومشروع قانون "التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام"، هو بمثابة نصف مشروع "القانون الموحد للصحافة والإعلام"، الذي عكفت عليه الجماعة الصحافية منذ نحو عامين، بمشاركة أساتذة إعلام وخبراء قانون وإعلاميين قدامى، وهو قانون شامل لكافة القوانين المنظمة للإعلام والصحافة في مصر، بما في ذلك مواد حبْس الصحافيين في قضايا النشر.




وصل القانون ليد الحكومة المصرية، التي أحالته إلى محكمة مجلس الدولة - السلطة التشريعية المصرية المسؤولة عن مراجعة القوانين - وظل القانون حبيس أدراج مجلس الدولة، حتى خرج منها منقسما إلى قانونين، النصف الأول خاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، والنصف الثاني - ما لم يطرح بعد على مجلس النواب - خاص بالتشريعات الصحافية والإعلامية، بينما تم حذف المواد المتعلقة بحبس الصحافيين في قضايا النشر تماما من القانون.
صدر مشروع قانون "التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام"، من مجلس النواب المصري، على حين غفلة من أهله - نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة - فلم يحضر أي منهما اجتماعات مناقشته ولم تُتح لهما فرصة إبداء الملاحظات عليه.
وبعد ساعات من إعلان مجلس النواب الموافقة على مشروع القانون، أصدرت نقابة الصحافيين المصرية، بيانا مفصَّلا هاجمت فيه الحكومة والبرلمان، وفنّدت فيه أوجه اعتراضاتها على مشروع القانون.
وقالت اللجنة التشريعية بنقابة الصحافيين المصرية، في بيانها الصادر مساء الأربعاء الماضي، إن "مشروع التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان، وجرى التصويت عليه الأربعاء الماضي، جاء مخالفاً في كثير من نصوصه لما تم التوافق عليه بين اللجنة الوطنية للتشريعات الصحافية والحكومة طوال شهور من التفاوض".
وأوضحت اللجنة أن الأمر لم يقف عند حد تقسيم القانون إلى قانونين، وهو ما يثير العديد من المخاوف حول توجهات مَن وضعوا المشروع، بل تعدّى ذلك للنيل من فلسفة المشروع الرئيسية القائمة على الحرية والمسؤولية والاستقلال، وتحرير الصحافة والإعلام من هيمنة السلطة التنفيذية تنفيذاً لروح الدستور الحالي.
وأضاف بيان اللجنة أن "المشروع فتح الباب، عبر ما تمت إضافته على نصوصه من تعديلات، لسيطرة السلطة التنفيذية على الإعلام من خلال تعديل مواد تشكيل المجالس الثلاثة، بما يجعل لرئيس الجمهورية الحق في تعيين ما يقرب من ربع أعضاء المجلس والهيئتين، بخلاف بقية ممثلي الحكومة والسلطة التنفيذية".
وعدّدت اللجنة التشريعية بنقابة الصحافيين المصرية، بعض الملاحظات التفصيلية على مواد مشروع القانون على النحو التالي:

المادة الأولى (تعريف الصحيفة):- تم إلغاء النص على أن يكون مالك الصحيفة مصريّا في التعديلات التي أجرتها لجنة الإعلام بالبرلمان، وهو إلغاء يتوافق مع بعض المطالبات داخل اللجنة، ولكن المفارقة أنه يتعارض مع المطالبات الحكومية ودوافع الأمن القومي.
و(المادة 4 بند 3)، حيث تمت إضافة كلمة "وتطبيق" على المادة بعد تعديلات لجنة الإعلام، لتصبح المادة بدلا من "وضع الضوابط والمعايير" إلى "وضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحافية بأصول المهنة وأخلاقياتها". وفي هذه الحالة، حتى لا يمتد الأمر إلى أن يمارس المجلس دور النقابات في هذا المجال.
و(البند 9 من المادة 4 نفسها) والخاص بوضع القواعد المالية والفنية واللوائح للعاملين بالمجلس الأعلى للإعلام، سمحت التعديلات لأعضاء المجلس أن يضعوا القواعد المالية الخاصة بهم دون التقيّد بالنظم الحكومية (طبقا لنص المادة)، وهو ما يفتح بابا للإفساد، كما حررتهم من الحد الأقصى للأجور.
و(البند 14 من المادة الرابعة)، جاءت تعديلات لجنة الإعلام لتحرر المجلس الأعلى من الالتزام بقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وجعله الجهة التي تضع هذه القواعد وتنفذها دون أي قيود واضحة، وهو ما يفتح الباب للأهواء في هذا المجال ويرسّخ الوضع الحالي.




وفي ما يتعلق بمواد التشكيل، وهو ما وصفته اللجنة التشريعية بالنقابة بـ"الملاحظة الرئيسية على المشروع"، وقالت "يلاحَظ على مواد التشكيل الثلاث أنه جرى تقليل عدد الأعضاء عن المتفق عليه في القانون الموحد للإعلام، وهو ما يعطي ثقلا لممثلي السلطة التنفيذية على حساب الهيئات النقابية والمجتمع، خاصة أن الأعضاء يختارهم الرئيس في المجلس والهيئتين".
ويشار إلى أن المادة السادسة من الفصل الثالث والخاصة بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، تنص على "يشكل المجلس الأعلى بقرار من رئيس الجمهورية من ثلاثة عشر عضوا يختارون على الوجه الآتي: رئيس المجلس يختاره رئيس الجمهورية، ونائب لرئيس مجلس الدولة يختاره المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة، ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وممثل عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يختاره رئيس مجلس إدارة الجهاز، واثنان من الصحافيين يختارهما مجلس نقابة الصحافيين من غير أعضائه، واثنان من الإعلاميين يختارهما مجلس نقابة الإعلاميين من غير أعضائه، واثنان من الشخصيات العامة وذوي الخبرة يختارهما رئيس الجمهورية، واثنان من الشخصيات العامة وذوي الخبرة يختارهما مجلس النواب من غير أعضائه، وممثل عن المجلس الأعلى للجامعات من أساتذة الصحافة والإعلام العاملين بالجامعات المصرية".
الأمر نفسه ينطبق على تشكيل الهيئتين الوطنية للصحافة والإعلام، كما ورد في المادة 32 من الباب الثالث، الخاصة بتشكيل الهيئة الوطنية للصحافة، والمادة 85 من الباب الرابع، الخاصة بتشكيل مجلس الهيئة الوطنية للإعلام.
وأضافت اللجنة التشريعية "لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن التعديلات التي أجرتها لجنة الإعلام على نصوص مواد اختيار أعضاء المجلس والهيئتين جاءت لتكرّس هذه الهيمنة، بعد أن فتحت الباب لتكريس سياسة التعيين من خلال إلزام نقابة الصحافيين والهيئات الأخرى باختيار ضعف عدد ممثليها في الهيئتين التي تحددها نصوص القانون، تاركة الاختيار لمن يصدِر قرار التعيين، وهو تعديل يتوجّب مراجعته والعودة عنه".


من ضمن ملاحظات اللجنة التشريعية بالنقابة أيضاً على مشروع القانون "تعديلات لجنة الإعلام بمجلس النواب على (البند 17 في المادة 30) لتكرس التراجع عمّا تم التوافق عليه مع اللجنة الوطنية للإعلام في قانون الإعلام الموحد، والخاص بمدّ السن للصحافيين إلى 65 عامًا، حيث أضافت اللجنة جملة (إذا اقتضت حاجة العمل) في بند اختصاصات الهيئة الوطنية للصحافة الخاص بمد السن للصحافيين والعاملين، وهي جملة تفرّغ المادة من محتواها وتعود بالأمر للوضع الحالي، في تراجع كامل عن المكتسبات التي حرصت اللجنة الوطنية على تضمينها حفاظاً على الخبرات الصحافية والمهنية، واستجابة لقرارات الجمعيات العمومية للصحافيين". وفي مواد العقوبات جاءت تعديلات لجنة الإعلام بمجلس النواب، لتحذف المادتين (79 و80) والتي كانت الأخيرة فيهما تنص على معاقبة كل رئيس وأعضاء المجالس والهيئات بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألفا ولا تزيد عن 100 ألف جنيه، حال قيامهم بأعمال ووظائف تتعارض مع طبيعة واستقلالية عملهم وطبيعة المهمة المكلفين بها، وهو ما يفتح الباب واسعا لتضارب المصالح والإخلال بالقانون، ويفرغ نص التفرغ للعمل بالمجالس والهيئات من محتواه، ويفتح الباب أمام البعض لاستغلال وظيفته والعمل لدى جهات تقع تحت سيطرة هذه الجهات. كما تم حذف العديد من العقوبات الخاصة بتغيير طبيعة الملكية والممارسات الاحتكارية من القانون التوافقي، وهو ما يفتح الباب لبقاء الاحتكارات الكبرى في مجال الإعلام، ويدعم الوضع الحالي الذي تسيطر فيه مجموعة من الأفراد على السوق الصحافية والإعلامية.



المساهمون