لماذا بيعت "فايننشال تايمز"؟

25 يوليو 2015
لم تكن الصحيفة تُعاني من أزمة وجوديّة (Getty)
+ الخط -
قد يكون الحجم المالي لصفقة بيع مجموعة "فايننشال تايمز" البريطانية لمجموعة "نيكاي" اليابانية للإعلام، هو أكثر ما أثار انتباه المهتمين، لا سيما في الأسواق المالية، والتي شملت الصحيفة وموقعها الإلكتروني وإصدارات أخرى كمجلّة "ذا بانكر"، دون أن تشمل مبنى الصحيفة أو أسهمها في "ذي إيكونوميست". غير أن مبلغ الـ844 مليون جنيه استرليني (حوالى 1.3 مليار دولار) الذي قبضته شركة "بيرسون" الناشرة البريطانيّة، لم يمنع المتابعين لشؤون الصحافة والإعلام من التساؤل عن توقيت "الصفقة"، خاصة مع تأكيد "بيرسون" أن الوقت قد حان للاستغناء عن مجال الإعلام.

وقد عبر الرئيس التنفيذي للشركة، جون فالون، بشكل صريح عن ذلك عندما قال: "بعد امتلاك "فايننشال تايمز" لقرابة الـ60 سنة، وصلنا إلى نقطة تحول فرضتها تغييرات تقنية واجتماعية". وكأن فالون يريد القول بذلك إن التغيرات التقنية التي اجتاحت عالمي الاتصال والإعلام هي من فرض عليه بيع الصحيفة التي تأسست الصحيفة في عام 1888. لكنّ "بيرسون" أكدت في بيانها أول من أمس أنّ توزيع الصحيفة رقمياً وورقيّاً، زاد أكثر من 30 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية، مع نموّ بلغ 70 في المائة على الصعيد الرقمي، رغم تأكيد تقارير أنّ عدد النسخات المطبوعة من "فايننشال تايمز" انخفض من 92 ألفا في العام 2008، إلى 36 ألفا في العام 2015.

ورغم أن الدوافع التي ساقها جون فالون قد تعزز الانطباع السائد بتراجع وسائل الإعلام الجماهيري ومؤسساته، إلا أن تقريرا صدر في يونيو/حزيران من العام 2014 عن "معهد رويترز لدراسات الصحافة" في جامعة أكسفورد، أظهر أن مؤسسات الإعلام التقليدي وجدت نفسها في مواجهة "الإعلام الجديد" بشكل مفاجئ وسريع، وقد نجح بعضها في التكيف مع التغيرات التي طرأت في عالم الاتصال والإعلام، في حين تأخر بعضها عن اللحاق بالركب التكنولوجي السريع.

ويشير التقرير إلى أنّ مؤسسات الإعلام التقليدي في دول مثل اليابان والولايات المتحدة الأميركيّة لا تزال تجد صعوبة في الانتقال نحو الوسائط الرقمية، في حين أنّ نظيرتها في دول مثل بريطانيا والدنمارك وفنلندا، وألمانيا استطاعت المحافظة على حصتها في سوق الإعلام الجديد بابتكار سياسات إدارية وتحريرية تواكب التغيرات التقنية الطارئة في عالمي الاتصال والإعلام.

اقرأ أيضاً: "واترلو" إعلامية على خلفية طواف فرنسا

ويقول التقرير إن النسبة الأعلى من الأخبار التي يتم تداولها عبر وسائط الإعلام الجديد لا تزال في الأصل صادرة عن مصادر تقليدية مثل الصحف وشبكات التلفزيون، كما أن الكثير من النقاشات والقضايا التي يتم تداولها على مواقع الإعلام الاجتماعي تتم بالأساس بتحريض من صحافيين محترفين. ويورد التقرير دليلا على ذلك بالقول إن 64 في المائة من مستخدمي "تويتر" في بريطانيا (5.4 ملايين مغرد) يتابعون صحافيين محترفين او مؤسسات صحافية تقليدية.

ويقول ستيفن شو في موقع askmen.com الأميركي إنّ الإعلام التقليدي لا يزال أقوى مما يعتقد الناس. ويظهر ستيفن شو أن مؤسسات إعلامية جماهيرية تقليدية تحتل المراتب العشر الأولى في قائمة المؤسسات الإعلامية الأكثر تأثيرا في العالم. وقد تصدرت المرتبة الأولى في القائمة مجموعة "بي بي سي" البريطانية تلاها بالترتيب "سي إن إن" ثم نيويورك تايمز، سي سي تي في الصينية، وول ستريت جرنال، يوميري تشمبيون اليابانية، شبكة الجزيرة القطرية، ويكيليكس، فوكس نيوز، وهافنغتون بوست.

وربما هذا ما دفع شركة "نيكاي" لشراء "فايننشال تايمز". فالشركة، التي تعهّدت أمس بأن تُحافظ على استقلاليّة "فايننشال تايمز"، لا تزال ترى مستقبلا للصحافة المطبوعة، لا سيما في اليابان حيث تصل أرقام الاشتراكات بالصحف اليومية إلى أرقام عالية جدا، وحيث توزع صحيفة "نيكاي" 3 ملايين نسخة يوميا، وهو ما يدر على الشركة دخلاً سنويا بحدود 1.5 مليار جنيه استرليني.

ورغم أن وسائل الإعلام الجماهيري التقليدي نجحت إلى حد ما بتجاوز خطر الاندثار مع انتشار وسائط الإعلام الجديد، إلا الخطر لم ينتهِ تماماً، كما يقول الدكتور ديفيد ليفي، مدير معهد "رويترز" في جامعة أوكسفورد. ويؤكد ليفي أنّ تكيف الكثير من المؤسسات الإعلامية التقليدية مع موجة الإعلام الذي انتشر على شبكة الإنترنت لا يعني أن التهديد قد انتهى تماما، إذ إن التحدي الأكبر يتمثل في القدرة على التكيف مع الإعلام الاجتماعي الذي يتنقل بين الأفراد عبر وسائط ذكية وسريعة.

وتتوافق خلاصات تقرير معهد "رويترز" مع هذا الرأي، حيث أظهر التقرير أن استطلاعا أجرته مؤسسة "يوغوف" البريطانية لصالح معهد رويترز في عشر دول هي: الولايات المتحدة- بريطانيا-ألمانيا- فرنسا- الدنمارك- فنلندا- إسبانيا- إيطاليا- البرازيل- واليابان، كشف أن 36 في المائة من الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-24 سنة يعتمدون بشكل أساسي على الهاتف الذكي للوصول إلى الأخبار.

اقرأ أيضاً: روسيا قد تدرج "يوتيوب" على قائمة منتهكي الملكية الفكرية

أتت التقارير الإخباريّة التي تحدّثت بكثافة عن الصفقة، بأغلبها بجوّ مُطمئن إلى مستقبل الصحيفة في أيدي "نيكاي"، ولكنّ الأسئلة التي ما زالت مطروحة تشمل مستقبل فريق الصحيفة، الذي يبلغ 500 موظف، ومكان عملهم، وحتى تغيّر توصيفهم الوظيفيّ، الأمر الذي دوّن عنه بعضهم على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. علماً أنّ "نيكاي" أبلغت الموظفين أنّها لا تنوي صرف موظفين.
دلالات
المساهمون