اعتداء ايسير: الصحافة الفرنسية لم تتعلم من "شارلي إيبدو"

02 يوليو 2015
الشرطة في مكان الاعتداء في ليون (فرانس برس)
+ الخط -
جاء الاعتداء الأخير على شركة محلية في ضاحية سان - كونتان فالاڤيير، أو "اعتداء ايسير"، كمؤشر جديد على عدم قدرة الإعلام الفرنسي على الانعتاق من ثنائية الإرهاب والخوف من الإسلام.

ويأتي تعاطي الصحافة المحلية مع ملف الاعتداءات الإرهابية ليؤكد مرة ثانية على أمرين رئيسيين: الأول هو سعي الإعلام المكتوب لتثبيت فكرة السبق الصحافي خاصةً في ما يتعلق بهوية المعتدي وخلفياته وعلاقاته. أما الأمر الثاني فهو إجماع فرنسي شعبي على إخفاق تلك الصحافة في جانبها الاستقصائي وذهابها إلى التحليل الطبيعي، الذي تسوّقه الروايات الحكومية في الساعات الأولى التي تلي الاعتداءات.

لم تنتظر يومية "لوموند" التحقيقات التي باشرت بها المحكمة الخاصة بالإرهاب SDTA في باريس، حيث يخضع ياسين صالحي، منفّذ اعتداء "ايسير"، للاستجواب منذ يومين، لتتحدّث في الساعات الأولى التي أعقبت الاعتداء عن بصمات إرهابية واضحة.

ولاحقًا عادت "لوموند" و"لو باريسيان" و"لوفيغارو" وصحف عديدة للربط بين الطريقة التي نفّذ بها صالحي جريمته وبين ما يقوم به عناصر تنظيم "داعش" في سورية والعراق من إعدامات ميدانية لتخلص إلى استنتاج جامع مفاده أنّ صالحي على علاقة بالتنظيم الإرهابي ودوافعه للقتل من منطلق جهادي.

أمام قاضي التحقيق، فرانسوا مولانز، اعترف صالحي بجريمته وقال إنّ "دوافع الجريمة ليست جهادية البتة إنما على علاقة بمشاكل عمل شخصية تربطني بمدير الشركة، لذلك قمت بتصفيته". وعن سؤاله عن الطريقة (قطع الرأس) التي نفّذ بها جريمته، ردّ صالحي "لا أخفيكم أنني شاهدت مقاطع فيديو عديدة عن إعدامات في سورية، لكنني لم أقتل الرجل لأنه كافر، قمت بذلك لأسباب شخصية تتعلق بعقد العمل والراتب".

في تسريبات، انفردت بها صحيفة "لوفيغارو" عن هوية ياسين صالحي وخلفيته السلفية وعلاقاته المتشابكة مع جهاديين في سورية، سيرة للشاب الذي أراد أن يموت في "عملية
استشهادية". وهذا التعريف الذي ورد على لسان النائب العام، مولانز، للقول إنّ غاية صالحي لم تكن محصورة بفعل القتل الفردي إنما حصد أكبر عدد من الضحايا في ساحة الاعتداء، حيث تواجد حوالى 75 شخصًا وشوهدت أعلام سوداء مع شعارات التكبير والشهادة، وهذا ما يتقاطع فعليًا مع ممارسات القتل الداعشي.

وكانت "لوفيغارو" قد ذهبت أبعد من ذلك لتتحدّث عن علاقة قوية لصالحي بأحد الجهاديين الفرنسيين، الذي التحقوا بتنظيم "داعش" في سورية. سيباستيان يونس، الشاب الفرنسي الذي ظهرت محادثات "واتساب" بينه وبين صالحي على هاتف الأخير، وفيها يحث يونس صديقه على "الانتقام للمسلمين"، ولذلك كانت مصادر صحافية عديدة قد تحدثت عن اللقطة التي يظهر فيها صالحي مع رأس الضحية، كما لو أنها لقطة سيلفي يهديها إلى صديقه الذي ذهب للجهاد في سورية.

وكانت أوجينيه باستييه قد أفردت تحقيقًا استقصائيًا في "لو فيغارو" حول علاقات صالحي وسفره الى المملكة العربية السعودية والمغرب صيف 2003-2004، وعمله في مدرسة لتحفيظ القرآن في دمشق سنة 2009 وتوطيده لعلاقة مع أحد قادة تنظيم "فرسان العزة"، الذي حلّته السلطات الفرنسية واتهمت أعضاءه بالسعي للقيام بمخططات تفجيرية على طول الأراضي الفرنسية.

إقرأ أيضاً: فرنسا... تاريخ معقد وطويل من الاستهداف "الجهادي"

على أنّ التحليلات والمواد الصحافية، التي تناولت الحدث، لم تهمل مسألة إشكالية تعود لتتصدّر المشهد الذي يلي كل اعتداء إرهابي وهي تنصّل مسلمي البلاد من أية مسؤولية لها علاقة بالقتل ومسبباته. وكان كلام المتحدث باسم "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا" في فرنسا عن أنّ "الخطر هنا ليس في الإرهاب إنما في الإسلاموفوبيا" قد أثار جدلاً واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد غرّد جيلبير كولار، نائب "الجبهة الوطنية"، على حسابه على "تويتر" بشكل ساخر: "يقول الـCCIF إنّ الارهاب لا يشكل خطرًا كما الإسلاموفوبيا، أنا لم أشاهد في حياتي إسلاموفوبياً يقطع رأسا!".
المساهمون