تعالوا لا نتفاجأ بتقنيات داعش

17 فبراير 2015
(تويتر)
+ الخط -
كأنّ الإعلام المصري يشاهد للمرة الأولى شريطاً لـ "داعش". كأنّ كل ما سبق لم يحصل: قطع رؤوس جايمس فولي، وستيفن سوتلوف، وكينجي غوتو، قطع رؤوس جنود الجيش اللبناني، حرق معاذ الكساسبة، إعدام وصلب سوريين في الرقة... سبي ومجازر بالمئات. كل ذلك لم يحصل. أول من أمس فقط، بدا أن مصر دخلت الدائرة ـ الجحيم- المغلقة التي يتخبط فيها العراق وسورية ولبنان منذ أشهر طويلة.

الإعلاميون مذهولون من وحشية "داعش". خرج "داعش" عليهم من حيث لا يدرون. كلام كثير عن التقنيات الهوليوودية المستخدمة في التصوير. كلام "مؤامراتي" آخر عن هوية مقاتلي "داعش" الذين يظهرون في الفيديو: أحجامهم مهولة، لكنتهم، لهجتهم، طريقة القتل... عزيزي الإعلام المصري، اسمح لنا ان نعرّفك بـ "داعش". هذا هو التنظيم الإرهابي، هذه هي تقنياته، هذا هو تصويره... وقبل كل شيء هذه هي وحشيّته.

لا جديد تحت الشمس إذاً. لا جديد في الفيديو. جنسية المذبوحين وحدها هي الجديدة. التصوير المحترف نفسه. المونتاج الدقيق... لكنّ العبرة في المكان: ليبيا. فبينما تبحث الولايات المتحدة، تفويضاً لشنّ حرب شاملة ضد "داعش" في سورية، والعراق، ها هو التنظيم يطلّ عليها من ليبيا، من الساحل الجنوبي لأوروبا. على الشاطئ تحديداً ارتكب التنظيم المذبحة. ينتقم التنظيم من قتل بن لادن ورمي جثّته في البحر. هذا ما يقوله في الفيديو. يظهر الدم على الشاطئ، بشكل واضح. نحن دمويون يقول. حرفياً.. ثم يقول كلاماً آخر عن كاميليا شحاته وغيرها من السيدات المسيحيات اللواتي اعتنقن الإسلام.

هل فاجأت وحشية التنظيم الدموي الإعلام؟ الأغلب أنها فاجأته فقرّر قذف كل الدم في وجهنا. الشاشات المصرية عرضت أول من أمس فيديو الذبح كاملاً، مع قطع الرؤوس، مع وضع الرؤوس فوق الأجساد، مع الدم المراق. ومواقع التواصل أعادت نشر الفيديو، والصور. صورة الرأس المقطوع فوق الجسد في كل مكان، على الشاشات، على مواقع التواصل. ليس قديماً الكلام عن حرمة الموت. ليس مستهلكاً الكلام عن التفكير في أهالي الضحايا، في ردة فعلهم لو شاهدوا الفيديو. نعم، الشريط موجود على الإنترنت، وبإمكان من يريد البحث عنه ومشاهدته. لكنّه قرار شخصي. أما أن تشاهد الفيديو على شاشتك، في غرفة الجلوس، أو غرفة النوم، فذلك اغتصاب للنظر، والنفسية... اغتصاب لإنسانيتنا التي يعمل الجميع على تجريدنا منها.

الإعلام المصري اكتشف "داعش" والوحشية أسقطته في دائرة مفزعة من التخبّط: يتّهم الإخوان، يتّهم الإسلاميين.. ومن الناحية الأخرى، يتردّد الشعار المستهلك والذي يبدو فارغاً: "ماذا عن باقي الشهداء؟". وبينهما حديث كثير عن الرد المصري على مواقع "داعش" في ليبيا. مشهد مكرّر من اليوم الذي تلا إعدام معاذ الكساسبة، وصور الطيران الأردني يقلع ليغير فوق مواقع "داعش".

وبينما كان كل ذلك يحصل. بينما كانت الجثث تطل علينا من كل مكان، كانت دماء ميلاد، وأبانوب، وماجد، ويوسف، وكيرلس، وبيشوي، وصموئيل، وملاك، وتواضروس، وجرجس، ومينا، وهاني، وبيشوي، وصموئيل، وعزت، ولوقا، وجابر، وعصام، وملاك، وسامح، كانت دماؤهم تسيل. لهؤلاء أسماء، هم ليسوا 21 قبطياً، هم ليسوا مجموعة من الشهداء. هم 21 مواطناً مصرياً فقيراً، 21 مواطناً، لكل منهم قصة، وعائلة، وذكريات، غرقت كلها في البحر. لهؤلاء أسماء، اذكروها.

إقرأ أيضاً: الضحية السورية لا تجذب الإعلام
المساهمون