حيدر... كيف سينام؟

13 نوفمبر 2015
حيدر مع والديه قبل موتهما...حيدر يتيم في المستشفى (فيسبوك)
+ الخط -

تقفز الصورة من شاشة الهاتف، ولا تغادر مجال نظري. لم أعد أقوى على رؤية شيء آخر. أتنقل بين التعليقات في موقع "فيسبوك" بشكل لا إرادي. لا أقرأ. صورة حيدر لا تُغادرني. صورة والديه يحضنان بعض، ويحضناه، ويبتسمان. ثم صورته جريحاً في المستشفى. لا تزال الصورة حاضرة بقوة بعد ساعات من رؤيتها. ما العمل؟ ظننت في وقت ما أنني تآلفت مع صور الموت. حاولت مراراً تدريب نفسي على التعامل مع صور الموت التي أراها يومياً بحيادية. نجحت مراراً، لكن في كلّ مرة أفشل.
عندما رأيت صورة عيلان على شاطئ البحر، بكيت. قمعت نفسي، ورددت مع كثيرين من أبناء هذا الشرق، بأن عيلان ليس أول القتلى ولن يكون آخرهم. نموت يومياً غرقى ونحن نحاول الانتقال إلى حيث نعتقد أننا سنجد أملاً. نموت في العراق وفي سورية وفلسطين واليمن وليبيا. نموت في كلّ زاوية من هذا العالم العربي. وحيث لا نموت بالرصاص، نموت على يد من يقتل حلمنا ويسجن حريتنا.
الموت فعل يومي، نتآلف معه، أو نظن كذلك. نحاول السير بين الجثث المتراكمة في حياتنا. نحسد أولئك القادرين على عيش حياة طبيعية. لم نعد نعرف كيف تكون الحياة طبيعية. يعيشون بعيداً عن تكفير متبادل، وعن حروب يوضع الله فيها قائداً للجيوش.
وفي زحمة الموت هذه، تخرج صورة لتذكرنا بإنسانيتنا. لا بدّ أن ترتبط هذه الصورة بأمر يعنينا مباشرةً. عندما شاهدت حيدر وحيداً على سرير المستشفى، قفزت إلى ذاكرتي صورة أخرى: قبل أيام رفض ابني النوم لأنني كنت خارج المنزل. أصرّ على موقفه، إلى أن تحادثنا هاتفياً واقتنع بأنني سأعود بعد وقت قليل.
كيف سينام حيدر؟ من سيروي له قصة المساء؟ وأي قصة سنروي لحيدر؟ ماذا نقول له؟ قُتل أهلك لأن مجرماً حاقداً في مكان ما، ظنّ أنه بهذه الطريقة يُمكن التأثير على المسارات السياسيّة أو العسكرية، أو ظنّ أنه يردّ على قاتل آخر، أو جريمة أخرى. ماذا نقول له؟ هل نروي له أننا بتنا نعتبر الموت مصيرا حتميا، وأنه فخر ما تنتجه هذه الشعوب؟
ماذا سأقول لابني غداً إن سألني عن هذا الموت؟ هل أخبره بأن أغبياء حاربوا باسم الله؟ أو أن ديكتاتوراً حقق وعده له وحرق المنطقة لأن والده أقنعه بأن بلداً طوّب باسمه؟ هل أروي له كيف فشل آباؤنا في بناء دولة وطنية، وتحوّلت السياسة إلى مجرد فكرة منبوذة، مقابل سطوة العسكر؟ هل أخبره بأن رؤساء دولنا حولوها إلى أوكار أمنية بحجة تحرير فلسطين؟ لا فلسطين تحررت، ولا مجتمعاتنا تقدمت، وبقي الموت لغة وحيدة نعرفها.
المساهمون