تستند تغطية معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية لأحداث انتفاضة القدس إلى اعتبارات عنصرية مبتعدةً عن أدنى معايير المهنية في استنفارها لصالح الرواية الرسمية، ومحاولة التشكيك في الرواية الفلسطينية. وقد تحولت وسائل الإعلام الرئيسة، وذات التأثير الكبير إلى جزء من التحريض الممنهج على ممارسة العنف ضد الفلسطينيين.
المراسلون والعُنف
احتفت قناة التلفزة الثانية، التي تستقطب أكبر عدد من المشاهدين بقيام عشرات المستوطنين اليهود بالفتك بمواطن إرتيري صودف وجوده في محطة الحافلات المركزية في مدينة بئر السبع المحتلة، التي تقع جنوب إسرائيل مساء الأحد الماضي، عندما قام مقاوم فلسطيني بإطلاق النار على جنود للاحتلال كانوا يتواجدون هناك.
وقد بدا الانفعال والحماس جلياً على وجه تمير ستايمان مراسل القناة خلال إجرائه مقابلات مع المستوطنين الذين شاركوا في الفتك بالعامل الإرتيري ظناً منهم أنه عربي. وعلى مدى أكثر من ثلث ساعة ظل ستايمان يجري المقابلات مع المستوطنين الذين انقضوا على الإرتيري ضرباً بالكراسي حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. وقد استفز سلوك القناة ومراسلها روجل إلفير، الناقد الإعلامي، وأحد الإعلاميين القلائل الذين ينتمون لمدرسة ما بعد الصهيونية، مستهجناً عدم قيام القناة بالاعتذار عن "سلوكها المشين".
وفي مقال نشره موقع صحيفة "هآرتس" أمس الثلاثاء، كتب إلفر متسائلاً: "حتى لو كان هذا الشخص عربياً فهل يحق لأحد أن يعتدي عليه لمجرد أنه تواجد في مكان نُفذ فيه عمل إرهابي". واعتبر ألفر ما قامت به القناة، التي تعد القناة المركزية في إسرائيل "تساوقاً مع التوجهات العنصرية" لعدد كبير من اليهود.
الموضوعية غائبة
تبنّي وسائل الإعلام الرواية الرسمية لمؤسسات الحكم حول الأحداث بدا واضحاً، حتى بعد أن يتبين أنها غير صحيحة أو دقيقة، تمسّك الإعلام بروايته. فقد بررت معظم وسائل الإعلام قيام
الشرطة بإطلاق النار على الطالبة الفلسطينية إسراء عابد قبل أسبوعين في محطة الحافلات في مدينة "العفولة" شمال فلسطين، بحجة أنها كانت تخطط لتنفيذ عملية طعن، مع العلم أن الفيديو الذي بثته قنوات التلفزة الإسرائيلية ذاتها أكد على أن إسراء لم تكن تشكل أي خطر على حياة الجنود وأنه كان بالإمكان السيطرة عليها بدون إطلاق النار عليها.
كتابات إخبارية هجومية
تأثرت أساليب التحرير والمصطلحات التي تستخدم في إعداد التقارير الإخبارية بالمواقف العنصرية لهيئات التحرير. فعندما يقوم جنود الاحتلال أو المستوطنون اليهود بقتل فلسطيني تتم الإشارة إلى ذلك بالكلمة العبرية "نهراج" ويقابلها بالعربية "قُتل" والإنجليزية killed، أمّا عندما يقوم فلسطيني بقتل جندي أو مستوطن فيتم استخدام مصطلح "نرتساح" ويقابله بالإنجليزية murdered. وفي أحيان كثيرة ومن أجل تخفيف الصدى السلبي لعمليات التصفية التي يقوم بها الجيش فإن وسائل الإعلام تستخدام مصطلح "إبطال المفعول" أو بالعبرية "نترول"، بحيث يتم تصوير الأشخاص الذين تمت تصفيتهم كما لو أنهم يمثلون خطراً بحيث تفضي عمليات التصفية إلى "إبطال مفعول" هذا الخطر.
وكما هو الحال عندما تشن إسرائيل عدواناً على الفلسطينيين، فإن محرري الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية يستخدمون في الغالب أسلوب المبني للمجهول عند الإشارة إلى عمليات القتل التي ينفذها جنود الاحتلال والمستوطنون ضد الفلسطينيين، لإخفاء الفاعل، في حين يتم استخدام المبني للمعلوم عند الإشارة إلى عمليات المقاومة التي تسفر عن قتل الجنود والمستوطنين. وفي مقال نشره موقع "وللا" الإخباري مساء أمس، يوضح الخبير اللغوي روفيك روزنتال إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية طورت "قاموس مصطلحات" خاص في تغطية الأحداث الأمنية المتلاحقة.
إعلام التحريض
تحوّل بعض الإعلاميين الإسرائيليين، من عدم الاكتفاء بنقل الأخبار والتعليق عليها، إلى تغذية نفوس المشاهدين بالحقد، بل أن عدداً منهم شغل نفسه بتقديم توصيات حول سبل التعاطي
"الأنجح" مع الوضع القائم. فقد ذهب الصحافي "اليساري" رازي بركائي، مقدم أحد البرامج الحوارية في إذاعة الجيش صباح الإثنين الماضي إلى حد المطالبة باستئصال الأعضاء التناسلية للمقاومين الفلسطينيين في حال تم ضبطهم وهم أحياء بعد تنفيذ عمليات المقاومة "من أجل تحقيق أكبر قدر من الردع".
وقد حرصت وسائل الإعلام بشكل خاص على استكتاب واستضافة مستشرقين ذوي توجهات عنصرية للتعليق على أحداث الانتفاضة، حيث يقدم هؤلاء أنفسهم على أنهم ذوو معرفة كبيرة بالعرب وثقافتهم. وقد حرص معظم هؤلاء على الادعاء أن انتفاضة القدس تمثل جزءاً من "حرب الإسلام المتطرف على الغرب"، مدعين أن إسرائيل تدافع عن الغرب عندما تعمل على قمع هذه الانتفاضة. وقد عد أرئيل سيغل الانتفاضة "مقدمة لحرب عالمية ثالثة يشنها الإسلام الجهادي على الغرب وحضارته" وأن إسرائيل تقوم بالدفاع عن أوروبا من خلال قمعها للانتفاضة. وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" الأحد الماضي، اعتبر سيغل أن الغرب مطالب بالوقوف إلى جانب إسرائيل بكل قوة من أجل مساعدتها في وضع حد لهذه الانتفاضة.
وقد كتب كلٌّ من مردخاي كيدار في موقع "عروتش شيفع" ونداف شرغاي في صحيفة "يسرائيل هيوم" مقالين ينطلقان من نفس فكرة مفادها أن الانتفاضة هي تعبير عن تعاظم دور "حركات الإسلام الجهادي".
وقد تناسى هؤلاء حقيقة أن قيادات علمانية هي من فجّر المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال قبل عقود من انطلاق ما يعتبرونها حركات "إسلام جهادي"، وأن المقاومة الفلسطينية سواء قادها العلمانيون أو الإسلاميون تستهدف التخلص من الاحتلال فقط، ولا علاقة لها بحرب الحضارات.
الانتفاضة الثالثة
وكانت الصحافة الإسرائيلية قد عرّفت عما يحصل في القدس بنفسها، مطلقةً عليها عنوان "الانتفاضة الثالثة" في صحفها. ووصفت يومها التصعيد الحاصل في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، مع الإشارة إلى أنه حتى لو حاولت الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الأمن اختيار أسماء ومسميات أخرى، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن ما يجري هو انتفاضة ثالثة.
وكان ناحوم برنيع قد قال تحت المانشيت في "يديعوت أحرونوت" إن عدم الاعتراف بأن ما يجري هو انتفاضة، يمكِّن في واقع الحال كلاً من القيادة السياسية والعسكرية من التهرب من المسؤولية. فيما قال المراسل العسكري في يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشواع: الجميع مشغولون في شرح أسباب كون ما يحدث ليس انتفاضة، لكن الواقع الميداني العملياتي يلزمنا بالاعتراف أن الانتفاضة باتت هنا، وإن كانت لا تدار من قِبلِ قيادة مركزية. بمقدور الجهاز الأمني أن يطلق عليها ما شاء من الأسماء، المهم أن يعمل لإيجاد حل لها.
اقرأ أيضاً: الفضاء الافتراضي ساحة لـ"الانتفاضة الثالثة"
المراسلون والعُنف
احتفت قناة التلفزة الثانية، التي تستقطب أكبر عدد من المشاهدين بقيام عشرات المستوطنين اليهود بالفتك بمواطن إرتيري صودف وجوده في محطة الحافلات المركزية في مدينة بئر السبع المحتلة، التي تقع جنوب إسرائيل مساء الأحد الماضي، عندما قام مقاوم فلسطيني بإطلاق النار على جنود للاحتلال كانوا يتواجدون هناك.
وقد بدا الانفعال والحماس جلياً على وجه تمير ستايمان مراسل القناة خلال إجرائه مقابلات مع المستوطنين الذين شاركوا في الفتك بالعامل الإرتيري ظناً منهم أنه عربي. وعلى مدى أكثر من ثلث ساعة ظل ستايمان يجري المقابلات مع المستوطنين الذين انقضوا على الإرتيري ضرباً بالكراسي حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. وقد استفز سلوك القناة ومراسلها روجل إلفير، الناقد الإعلامي، وأحد الإعلاميين القلائل الذين ينتمون لمدرسة ما بعد الصهيونية، مستهجناً عدم قيام القناة بالاعتذار عن "سلوكها المشين".
وفي مقال نشره موقع صحيفة "هآرتس" أمس الثلاثاء، كتب إلفر متسائلاً: "حتى لو كان هذا الشخص عربياً فهل يحق لأحد أن يعتدي عليه لمجرد أنه تواجد في مكان نُفذ فيه عمل إرهابي". واعتبر ألفر ما قامت به القناة، التي تعد القناة المركزية في إسرائيل "تساوقاً مع التوجهات العنصرية" لعدد كبير من اليهود.
الموضوعية غائبة
تبنّي وسائل الإعلام الرواية الرسمية لمؤسسات الحكم حول الأحداث بدا واضحاً، حتى بعد أن يتبين أنها غير صحيحة أو دقيقة، تمسّك الإعلام بروايته. فقد بررت معظم وسائل الإعلام قيام
كتابات إخبارية هجومية
تأثرت أساليب التحرير والمصطلحات التي تستخدم في إعداد التقارير الإخبارية بالمواقف العنصرية لهيئات التحرير. فعندما يقوم جنود الاحتلال أو المستوطنون اليهود بقتل فلسطيني تتم الإشارة إلى ذلك بالكلمة العبرية "نهراج" ويقابلها بالعربية "قُتل" والإنجليزية killed، أمّا عندما يقوم فلسطيني بقتل جندي أو مستوطن فيتم استخدام مصطلح "نرتساح" ويقابله بالإنجليزية murdered. وفي أحيان كثيرة ومن أجل تخفيف الصدى السلبي لعمليات التصفية التي يقوم بها الجيش فإن وسائل الإعلام تستخدام مصطلح "إبطال المفعول" أو بالعبرية "نترول"، بحيث يتم تصوير الأشخاص الذين تمت تصفيتهم كما لو أنهم يمثلون خطراً بحيث تفضي عمليات التصفية إلى "إبطال مفعول" هذا الخطر.
وكما هو الحال عندما تشن إسرائيل عدواناً على الفلسطينيين، فإن محرري الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية يستخدمون في الغالب أسلوب المبني للمجهول عند الإشارة إلى عمليات القتل التي ينفذها جنود الاحتلال والمستوطنون ضد الفلسطينيين، لإخفاء الفاعل، في حين يتم استخدام المبني للمعلوم عند الإشارة إلى عمليات المقاومة التي تسفر عن قتل الجنود والمستوطنين. وفي مقال نشره موقع "وللا" الإخباري مساء أمس، يوضح الخبير اللغوي روفيك روزنتال إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية طورت "قاموس مصطلحات" خاص في تغطية الأحداث الأمنية المتلاحقة.
إعلام التحريض
تحوّل بعض الإعلاميين الإسرائيليين، من عدم الاكتفاء بنقل الأخبار والتعليق عليها، إلى تغذية نفوس المشاهدين بالحقد، بل أن عدداً منهم شغل نفسه بتقديم توصيات حول سبل التعاطي
وقد حرصت وسائل الإعلام بشكل خاص على استكتاب واستضافة مستشرقين ذوي توجهات عنصرية للتعليق على أحداث الانتفاضة، حيث يقدم هؤلاء أنفسهم على أنهم ذوو معرفة كبيرة بالعرب وثقافتهم. وقد حرص معظم هؤلاء على الادعاء أن انتفاضة القدس تمثل جزءاً من "حرب الإسلام المتطرف على الغرب"، مدعين أن إسرائيل تدافع عن الغرب عندما تعمل على قمع هذه الانتفاضة. وقد عد أرئيل سيغل الانتفاضة "مقدمة لحرب عالمية ثالثة يشنها الإسلام الجهادي على الغرب وحضارته" وأن إسرائيل تقوم بالدفاع عن أوروبا من خلال قمعها للانتفاضة. وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" الأحد الماضي، اعتبر سيغل أن الغرب مطالب بالوقوف إلى جانب إسرائيل بكل قوة من أجل مساعدتها في وضع حد لهذه الانتفاضة.
وقد كتب كلٌّ من مردخاي كيدار في موقع "عروتش شيفع" ونداف شرغاي في صحيفة "يسرائيل هيوم" مقالين ينطلقان من نفس فكرة مفادها أن الانتفاضة هي تعبير عن تعاظم دور "حركات الإسلام الجهادي".
وقد تناسى هؤلاء حقيقة أن قيادات علمانية هي من فجّر المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال قبل عقود من انطلاق ما يعتبرونها حركات "إسلام جهادي"، وأن المقاومة الفلسطينية سواء قادها العلمانيون أو الإسلاميون تستهدف التخلص من الاحتلال فقط، ولا علاقة لها بحرب الحضارات.
الانتفاضة الثالثة
وكانت الصحافة الإسرائيلية قد عرّفت عما يحصل في القدس بنفسها، مطلقةً عليها عنوان "الانتفاضة الثالثة" في صحفها. ووصفت يومها التصعيد الحاصل في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، مع الإشارة إلى أنه حتى لو حاولت الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الأمن اختيار أسماء ومسميات أخرى، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن ما يجري هو انتفاضة ثالثة.
وكان ناحوم برنيع قد قال تحت المانشيت في "يديعوت أحرونوت" إن عدم الاعتراف بأن ما يجري هو انتفاضة، يمكِّن في واقع الحال كلاً من القيادة السياسية والعسكرية من التهرب من المسؤولية. فيما قال المراسل العسكري في يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشواع: الجميع مشغولون في شرح أسباب كون ما يحدث ليس انتفاضة، لكن الواقع الميداني العملياتي يلزمنا بالاعتراف أن الانتفاضة باتت هنا، وإن كانت لا تدار من قِبلِ قيادة مركزية. بمقدور الجهاز الأمني أن يطلق عليها ما شاء من الأسماء، المهم أن يعمل لإيجاد حل لها.
اقرأ أيضاً: الفضاء الافتراضي ساحة لـ"الانتفاضة الثالثة"