الإعلام اللبناني... كلّ هذه العنصرية

22 سبتمبر 2014
أصوات لبنانية ضد العنصرية (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
 
في كُلّ مرةٍ يصطدم لبنان بحدث كبير، على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاجتماعي أو حتى الاقتصادي، يحمل الإعلام اللبناني عُدّته العنصريّة، وينتقل إلى مكان الحدث. تنقّل هذا الأمر بين وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، إلى المقروءة، وحتّى وسائل التواصل. في كُلّ مرة، برّر اللبنانيون خوفهم من "الآخر الغريب"، بـ"الوطنيّة".

الشاشات اللبنانيّة: السوريون سبب المآسي!
ليست العنصريّة اللبنانيّة وليدة الساعة، فهي موجودة بشكل دائم ضدّ كل ما هو "مختلف": ضدّ الفلسطينيين، ضدّ العمّال الأجانب، ضدّ المرأة... وضدّ السوريين طبعاً. فمثلاً يذكر الجميع تغطية القنوات التلفزيونية جريمة قتل الشابة ميريام الأشقر. يومها ملأت العنصرية ضد السوريين الشاشات.
وبدأ عصر ازدهار العنصريّة ضد اللاجئين السوريين منذ بداية الثورة في مارس/آذار 2011. هكذا، حملت تغطية أحداث برج حمود (الضاحية الشرقية لبيروت) نفحةً من التمييز أيضاً.
ووصلت العنصريّة الإعلاميّة في عام 2013 الماضي، إلى أوجّها. فأعدّت قناة "الجديد" تقريراً عن "الشحّاذين" في بيروت، وصفت فيه السوريين جميعاً على أنّهم "نَوَر". وحمّلت القناة، السوريين، وزر ارتفاع عدد أطفال الشوارع في بيروت.
من جهتها، أعربت قناة "أو تي في" (التابعة للتيار الوطني الحر) عن خوفها من السوريين بسبب "انتمائهم بشكل أساسي للطائفة السنيّة". وحملت تقاريرها الإخباريّة، توصيفاً للسوريين على أنّهم "إرهابيون".
لكن العنصرية ليست حكراً على فئة من دون أخرى. فإن القنوات المعارضة للنظام السوري في لبنان، تعرف جيداً متى وكيف تدلي بدلوها. وكان ذلك تحديداً أثناء تغطية مشاركة آلاف السوريين في انتخابات رئاسة الجمهورية في سفارة بلادهم في لبنان. تمّ التعاطي مع الناخبين كـ"قطيع". قناة MTV (قريبة من "القوات اللبنانية") عنونت "مناصرو الأسد يأسرون آلاف اللبنانيين في سياراتهم". وفي اليوم نفسه أخبرتنا مقدّمة "نهاركم سعيد" على شاشة LBCI كيف "يدفع اللبنانيون الثمن عندما يتعلّق الأمر بالسوريين، في الحرب والسلم والانتخابات".
وطبعاً الذروة كانت الشهر الماضي مع معركة عرسال. فتحت القنوات هواءها لاتهام السوريين بكل أنواع التهم... وسوق كل النازحين بعصا "داعش".

برامج الكوميديا: السخرية من السوريين
ركّزت البرامج الترفيهيّة اللبنانيّة على السخرية من السوريين. على قناة "أل بي سي آي" مثلاً، تضمّن برنامجا "كتير سلبي شو"، و"بسمات وطن" عنصريّة واضحة. في أحد مقاطع "كتير سلبي شو" مثلاً، كان بعنوان "كم دجاجة في بالكيس". يستحضر المقطع سوريّين يجلسان في حديقة، فيخبر الأول الثاني أنه يعمل في مجال البرامج الترفيهية، ويقول له "إذا عرفت كم جاجة في بالكيس بعطيك ياهن تنيناتن"، فيردّ الثاني "في 3 جاجات؟".
وعلى قناة "إم تي في" أيضاً، تضمّن البرنامج الترفيهي "ما في متلو" عنصريّة مقيتة. وكان أحد الاسكتشات التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي العام الماضي، مشهد الأم التي تشعر بالقرف من السوريين. وفيه، تطلّ علينا "الأم الفرنكوفونيّة اللبنانيّة" مع ابنها الذي يتحدّث الفرنسية قبل أن ترسله أمّه إلى المدرسة، ويعطيها قبلة. وبعد عودته، ولدى سؤالها عن يومه، يقول "تمام يامو (..) الآنسة (المعلمة) قالتي بري عليك (..) ولعبت طميمة مع رفقاتي". فتسأله والصدمة على وجهها: "ليش عم تحكي هيك"، فيجيبها وعلى وجهه ضحكة كبيرة "شنّو كل رفقاتي هي السنة بيحكوا هيك يامو".

الصحف: السوريون سبب العنوسة وزحمة السير!
شاركت الصحف اللبنانيّة في حفلة العنصريّة ضدّ اللاجئين السوريين في مناسبات كثيرة. على سبيل المثال، نشرت صحيفة "البلد"، العام الماضي، تقريراً تحت عنوان: "أزمة عنوسة تضرب لبنان: الأفضلية لـ"اللاجئات السوريات". واعتمدت كاتبة المقال، على رسم بياني أصدرته "إذاعة هولندا"، ذكرت فيه أنّ نسبة العنوسة في لبنان تتعدى 85 في المائة. ولم تكتفِ الصحافيّة بالعنصريّة في مقالها، بل حمّلته نفحةً ذكوريّة أيضاً، إذ اعتبرت النساء السوريّات "بائعات هوى" في وصفها. ولاحقاً، حذفت الصحيفة المقال من موقعها الإلكتروني.
أمّا صحيفة "النهار"، فقد دأبت على نشر مقالاتٍ عنصريّة ضد اللاجئين السوريين، إذ كرّرت الصحيفة نشر "تحذيرات" عن تزايد عدد اللاجئين في لبنان. وأشارت في أحد تقاريرها، العام الماضي، إلى أنّ الأجانب أكثر عدداً من اللبنانيين في البلاد. ووصل الحدّ مع الصحيفة إلى تحذير اللبنانيين من "الاصطدام بالسيارات السوريّة".
وعلى موقعها الإلكتروني، نشرت الصحيفة شريط فيديو، تضمّن تصريحات مواطنين، اختيرت أجوبتهم بدقّة لتُلائم العنصريّة بشكل تامّ. وتضمّن الفيديو آراء اعتبرت السوريين سبباً لغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الإيجارات، والبطالة، وحتى أزمة السير.

عنصريّة إلكترونيّة... ومكافحة
تحميل السوريين مسؤوليّة زحمة السير، لم يقتصر على فيديو "النهار ويب". فقد كتب المُلحّن ميشال ألفتريادس، في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: "أنتَ لاجئ في بلادي. خفّف كزدرة على الطريق، عم تعمل عجقة سير".
ليس ألفتريادس وحده، فقد أُنشئت صفحة على "فيسبوك" بعنوان "النازيّون الجدد في لبنان لرفض الوجود السّوري". ولم يتخطّ عدد المعجبين بالصفحة، التي أنشأت حساباً على "تويتر" أيضاً، المائة والخمسين شخصاً حينها. وكتبت الصفحة: "نحن نازيّون وعنصريّون مع الشّعب اللبنانيّ فقط. هم لا يهمّهم الفقراء في لبنان، ولا يكترثون لأجلهم". وسأل القيّمون على الصفحة: "إلى متى سوف يبقى المواطن اللبناني ضحية الإجرام السوري وإجرام الدولة اللبنانية وإجرام الأحزاب المستفيدة من الوجود السوري؟ إلى متى سوف نبقى في عار الانتظار إلى ما لا نهاية؟ ألم يحن الوقت أن ينتفض شعبنا اللبناني على كل مَن حوله من مجرمين وقتلة؟ إن الوجود السوري في لبنان يهدد لبنان شعباً وكياناً، فإلى متى سنبقى نلوذ صمتاً؟".
على "يوتيوب"، انتشر شريطا فيديو بشكل كبير، ينضحان بالعنصريّة. في الفيديو الأول، كان طفل لبناني يضرب آخر سورياً بالعصا، فيما والداه يقولان في الخلفيّة "اضربه يا عباس". وانتشر الفيديو على مواقع التواصل، مما أدّى إلى اعتقال السلطات اللبنانيّة والد الطفل. وفي الفيديو الثاني، الذي انتشر منذ أسبوع، ثلاثة أطفال سوريين يُهدّدهم شاب لبناني بالذبح، في ما اعتبره هو "مزحة". تسبّب ذلك في تعليقات عنصريّة وطائفيّة لبنانيّة وسوريّة مُضادّة على مواقع التواصل.

لم يصمت مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان على الممارسات والتعليقات العنصريّة. فقد أطلقت صفحات تؤكّد الترحيب اللبناني بالسوريين، وأنّ "العنصريّين لا يُمثّلون الشعب اللبناني".
وفي هذا الإطار، أُنشئت صفحة "الحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصريّة" على "فيسبوك". ونشرت الصفحة صوراً لناشطين لبنانيين يحملون لافتاتٍ كُتبت عليها عبارات مناهضة للعنصريّة. كما نظّمت الحملة تظاهرة داعمة للاجئين في وجه العنصريّة.
من جهة ثانية، أعدّت حملة "مكافحة العنصريّة في لبنان" شريط فيديو يتحدّث عن المشكلات التي يعاني منها لبنان، والتي تسبّبت فيها ممارسات الدّولة اللبنانيّة وليس الوجود السّوريّ.
وتختم صبيّة لبنانيّة الفيديو (1:54 د) قائلةً: "إذا كانت دولتي لا تستطيع القيام بواجبها، فمسؤوليّة ذلك تقع على عاتق سعادته ومعاليه وفخامته، فلا ترمِ تقصير دولة على اللاجئين. عيب"، لتظهر في آخر الشّاشة جملة "المشكلة ليست في اللاجئين، المشكلة فينا".
كما كتبت صفحة "ضد العنصرية في لبنان" على "فيسبوك"، والتي اشتهرت بمحاربة العنصرية في حق العمال الأجانب، "أعزاءنا السوريين، نتمنى لكم إقامة طيبة في لبنان. ونعتذر عما بدر من بعض السياسيين والمواطنين العنصريين. كلامهم لا يمثلنا".
وهذا الشهر، وبعد حملة العنف والعنصريّة ضد السوريين في لبنان إثر ذبح جندي لبناني، عادت أصوات الناشطين اللبنانيين للارتفاع ضد الممارسات غير الإنسانيّة، خصوصاً مع انتشار صور وقصص لاضطهاد السوريين في مختلف المناطق اللبنانيّة، فقط لأنّهم سوريّون.


المساهمون